أوديسيوس باتريك 

 على غرار الكثير من الدول الغربية، وافقت أستراليا على إعادة توطين اللاجئين من الحروب في سوريا والعراق. وعلى العكس من بقية الدول، أعلنت أستراليا تفضيل اللاجئين المسيحيين فقط، على الرغم من أنهم أقلية من أولئك الذين يطلبون حق اللجوء السياسي.


تعد التجربة الأسترالية من دراسات الحالة بالنسبة للأوروبيين الذين يواجهون تدفقات اللاجئين، وبالنسبة للأميركيين كذلك الذين ينظرون في الآثار طويلة الأمد لرئاسة ترمب: عندما يستمر تشويه صورة المسلمين فإن التحامل الشديد الموجه ضد الدولة هو المرجح توقعه.
وتعكس البيانات التي حصلت عليها بموجب قانون حرية المعلومات في أستراليا، أن 78 في المائة من نحو 18.563 لاجئا من سوريا والعراق تم منحهم حق الدخول اعتبارا من 1 يوليو (تموز) عام 2015، وحتى 6 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي ممن يعرفون أنفسهم بأنهم مسيحيون.
وهذا الرقم المذكور لا يتناسب كثيرا مع الوجود المسيحي بين المشردين من سكان المنطقة. وتقول مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين إن عدد اللاجئين المسيحيين المسجلين من العراق يبلغ نحو 15 في المائة. والنسبة لا تتجاوز 1 في المائة من اللاجئين المسيحيين السوريين.
ولم تنكر الحكومة الائتلافية المحافظة في أستراليا أن الدين هو من العوامل المهمة في اختيار من يُسمح لهم بالدخول من لاجئي سوريا والعراق. وتبرر الحكومة تلك الأفضلية على أسس دينية بزعمها أن المسيحيين هم أكثر عرضة للمخاطر من جانب تنظيم داعش الإرهابي وغيره من الجماعات المتطرفة، التي تشارك في عمليات القتل العشوائية.
ويشعر بعض المسيحيين أن بعضا من أبناء دينهم هم من بين الضحايا غير المعترف بهم في حروب سوريا والعراق. يقول لايل شيلدون، المدير التنفيذي لرابطة المسيحيين الأستراليين: «حاول المسيحيون كثيرا التغلب على وطأة الاضطهاد من جانب تنظيم داعش».
وعلى نحو مماثل، قال توني زابيا، النائب عن حزب العمال، في البرلمان الأسترالي: «يبدو أن المسيحيين هم أكثر الناس تعرضا للاضطهاد على وجه الأرض».
غير أن الخبراء لا يصدقون مثل هذه المزاعم.
تقول ايلين بيرسون رئيسة «هيومان رايتس ووتش» في أستراليا: «لا يتعرض المسيحيون من مناطق الصراع في سوريا والعراق إلى الاضطهاد أكثر من غيرهم. ففي سوريا والعراق، تحمّل المسلمون الجانب الأكبر من الفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش ونظام بشار الأسد هناك».
وهناك أدلة على حماية يتلقاها المسيحيون من جانب نظام الأسد، والذي يحب تصوير نفسه مدافعا عن الأقليات. والحرب الأهلية في العراق هي صراع بين السنة والشيعة في المقام الأول.
ويرجع هذا النهج الأسترالي في جزء منه إلى الاعتقاد الذي أعرب عنه سرا بعض من وزراء الحكومة هناك، وأعربت عنه علنا الجماعات المسيحية في البلاد، على غرار رابطة السيد شيلدون، بأن المسيحيين هم أكثر عرضة للاندماج والاستيعاب في الثقافة الأسترالية الإنجيلية التي يهيمن عليها المسيحيون أكثر من المسلمين. وقال شيلدون عن المسيحيين مردفا: «لديهم رؤية للعالم هي أكثر اتساقا مع المبادئ التي تأسس عليها مجتمعنا».
إن اختيار اللاجئين بناء على معتقداتهم الروحانية هو أحد أشكال التحيز الذي تدعمه الدولة والذي تحمل المجتمعات العلمانية مثل أستراليا التزاماً وواجباً أخلاقياً لرفضه.
وكما يشير أحد أهم الخبراء الأستراليين المعنيين بشؤون اللاجئين، فإن بعض الديانات الخاصة لا تحتكر بالضرورة القواعد الصحيحة للسلوكيات السليمة. ويضيف ويليام مالي، البروفسور في الجامعة الوطنية الأسترالية ومؤلف كتاب بعنوان «من هو اللاجئ؟»، في رسالة وصلت بالبريد الإلكتروني: «بعض البوذيين، على سبيل المثال، روحانيون ومسالمون للغاية. لكن هناك متطرفين بوذيين أيضا في سيريلانكا وميانمار ويمكن تصنيفهم على أنهم فاشيون».
هناك طريقان رئيسيان يمكن للاجئين من الشرق الأوسط الوصول إلى أستراليا خلالهما. يمكنهم المرور من خلال مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، والتي تعطي الأولوية لأشد الحالات يأسا. وأغلب الحالات قادمة من تركيا، ولبنان، والأردن.
وتعمل المفوضية عن كثب مع مسؤولي الهجرة في الحكومة الأسترالية، لكنها لا تستخدم الدين معيارا للاختيار. وفي عام 2015 و2016، اختارت المفوضية 6444 لاجئا من منطقة الشرق الأوسط لإعادة توطينهم في أستراليا. ونسبة 12 في المائة منهم كانوا من المسيحيين – أي ما يساوي 782 لاجئاً فقط.
والطريق الأخرى هي بتقديم طلب الحصول على حق اللجوء السياسي مباشرة إلى الحكومة الأسترالية. وهذا الطريق مخصص لصالح المسيحيين فقط، من أي طائفة مسيحية كانت. وبكل تأكيد؛ نظرا لأن أغلب اللاجئين المقبولين خلال هذه الفترة كانوا من المسيحيين إلى حد كبير، كان يجب على الحكومة الموافقة على قبول عدد قليل من المسلمين، كذلك الذين يلتمسون الحصول على حق اللجوء السياسي بطريق التقديم المباشر، إن وجدوا.
وعندما سألت وزارة الهجرة وحماية الحدود الأسترالية عن معايير اختيار اللاجئين، لم ينكروا أن سياسة الحكومة تعاني من التحيز على أسس دينية. لكن المتحدث باسم الوزارة قال إنه لا يتعين على المتقدمين بطلبات اللجوء السياسي الإفصاح عن دينهم.
ولكن إبلاغ اللاجئين بأنه لا يتعين عليهم الإفصاح عن معتقداتهم، مثل إخبارهم بأنه يجب عليهم ألا يحددوا النوع في أوراق الطلبات. والبيانات الرسمية الأسترالية تقول إن الذين لا يفصحون فعلا عن دينهم في طلبات التقديم لا تتجاوز نسبتهم 0.07 في المائة فقط.
والمسلمون، ولا سيما من منطقة الشرق الأوسط، لديهم مشكلة في التصور لدى العالم الغربي. وتتغذى المخاوف العامة من الخوف المشروع من الإرهاب المحتمل وغرابة التقاليد والأعراف الاجتماعية والعربية من حيث الملابس واللغة.
وفي أستراليا، يتزايد العداء ضدهم من قبل السياسيين الشعبويين والصحف الصفراء المملوكة للملياردير روبرت ميردوخ، والتي تتوق توقاً إلى التركيز على الشواهد المتصورة من الثقافة الأنجلو - أسترالية لدى عدد قليل للغاية من سكان البلاد من المتشددين الإسلامويين. وأدى الهجوم الذي وقع خارج مبنى البرلمان البريطاني يوم 22 مارس (آذار) الماضي إلى ظهور هاشتاق (#pray4muslimban – صلوا لحظر المسلمين) من جانب أحد السياسيين الأستراليين المناهضين للوجود الإسلامي في أستراليا بشكل واضح. وفي الشهر الماضي، صرح رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تورنبول بأنه سيشدد إجراءات الحصول على الجنسية الأسترالية. ومن شأن القواعد الجديدة أن تتطلب وجود سلوكيات تتفق مع «القيم الأسترالية»، وهو اختبار شديد الغموض يقول المعلقون من تيار اليمين واليسار إنه موجه نحو المسلمين تحديدا.
قبل الحرب العالمية الثانية، عارضت أستراليا المناشدات الدولية لمنح حق اللجوء السياسي للمزيد من اللاجئين اليهود. وقال أحد المسؤولين الحكوميين في عام 1938: «نظرا لعدم وجود مشكلة عرقية حقيقية في المجتمع الأسترالي، فإنه لا رغبة لدينا في استيراد إحدى هذه المشكلات عن طريق تشجيع إحدى أشكال الهجرة الخارجية واسعة النطاق إلى بلادنا».
ينبغي على أستراليا الاعتبار بأن حكم التاريخ عليها سيكون قاسيا لمعاملة مسلمي اليوم بنفس طريقة معاملة اليهود بالأمس.
* خدمة «نيويورك تايمز». . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .