تركي الدخيل

وصف ترمب زيارته المزمعة إلى السعودية بـ«التاريخية»؛ وكون السعودية الوجهة الأولى لرئيس أميركي خارجياً، يجعل الزيارة حالة غير مسبوقة في التاريخ؛ إذ جرت العادة أن يختار الرؤساء الأميركيون وجهة خارجية أولى إما المكسيك، أو كندا!


ترمب كسر كل القوالب التي وُضعت قبله، ليثبت أنه رئيس «غير تقليدي»، بل أشبه ما يكون بـ«الظاهرة».
في عزّ موجة الانتخابات الأميركية كان محللون عرب يبشرون السعودية بالويل والثبور إذا تم انتخاب ترمب، لكن تاريخ الحملات الانتخابية جرت فيه العادة أن يكون الكلام دعائياً ضمن برامج وخطب محددة تستقطب الناخب، وحين تخبو نار الانتخابات تعود العلاقة السعودية الأميركية إلى وضعها الطبيعي، حيث التحالف التاريخي، منذ عهد روزفلت وإلى اليوم.
لقد تمكّن الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته لواشنطن من إعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح والطبيعي، وقد ذكر في آخر مقابلة معه أن أوباما ضيّع فرصاً كثيرة تجاه سوريا والمنطقة بشكلٍ عام؛ غير أن الكيمياء بين ترمب ومحمد بن سلمان جعلت الإدارة الأميركية متطابقة برؤاها حيال مشكلات المنطقة، ولدى الرياض وواشنطن ما تعملانه من أجل مستقبل السلم المجتمعي والأمن القومي، ومن المرجح أن تشمل أو تمهد زيارة ترمب لاتفاقيات تعاون مشترك، بالإضافة إلى عقد العزم على التشارك بالملفات الساخنة بالمنطقة.
لدى البلدين التحدي الإيراني، الذي يهدد الأمن القومي، ويعزز من النشاط الدموي في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن.
الملف الإيراني سيكون أبرز ما ستتم مناقشته على أجندة الزيارة، وبخاصة أن إدارة ترمب - على عكس إدارة أوباما - ترى إيران الراعية الأولى للإرهاب، ليس بالمنطقة فحسب، بل في جميع أنحاء العالم، ومن دون لجم التدخل الإيراني بشؤون الدول المستقلة، فإن مصالح الولايات المتحدة ستكون في قلب الخطر.
لقد تأثرت مصالح أميركا القومية طوال السنوات الثماني الماضية؛ وذلك بسبب الخذلان والتخاذل للإدارة السابقة، وهي تريد أن تعيد القوة الضاربة والنفوذ الاستثنائي بمنطقة الشرق الأوسط الحيوية. أوباما وهيلاري كلينتون كانا يقولان إن التنفذ آسيوياً أهم من كل ملفات الشرق الأوسط، وإن التغلغل بكل صغيرة وكبيرة بالمنطقة يستنفد طاقة أميركا من دون مردودٍ يذكر، وهذا كلام ينقضه ترمب تماماً؛ إذ يعتبر حل القضية الفلسطينية أولوية، والحل بسوريا، والتزام الانقلابيين باليمن القرارات الأممية أولوية قصوى لا يمكن التفريط فيها.
لدى البلدين ملفاتٍ اقتصادية ضخمة، والتعاون الذي تعثر في السابق سيتم استئنافه بشكلٍ أكبر، وبخاصة في ظل التقلبات الاقتصادية بالعالم، والدولتان من أغنى الدول وأكثرها تأثيراً، والولايات المتحدة تعرف مدى أهمية مشروعات «رؤية 2030»، ويمكن للخبرات الأميركية والشركات الإسهام في المجالات الاقتصادية والخطط النهضوية السعودية المرسومة المستقبلية.
آمن ترمب أن السعودية هي قلب العالم الإسلامي، وأن لديها فضيلة خدمة الحرمين الشريفين، وهذا الثقل الاستراتيجي جعل ترمب في كلمته التي أعلن فيها الذهاب إلى السعودية يشير إلى الأماكن المقدسة بالسعودية، وهي إشارة مقصودة لطمأنة المسلمين بأن الولايات المتحدة عازمة على تعزيز حوار الحضارات والأديان، وأن التهم المنسوبة لترمب حول كراهية الإسلام ليست سوى «تجليات انتخابية» لا تدخل ضمن برامجه السياسية الفاعلة، وأن الإجراءات المتخذة مؤخراً من قبل أميركا ليست ضد «حضارة الإسلام»، بل مجرد تقنين تقني لأهدافٍ أمنية بحتة، وليست حالة عدائية نحو دين أو أمة أو حضارة.
زيارة ترمب بقدر ما هي سابقة تاريخية، غير أنها ليست زيارة للسعودية فحسب، بل رسالة إلى المسلمين في أنحاء العالم، بأننا معكم ولسنا ضدكم، وعلى هذه الأرض ما يستحق الشراكة والحوار والتلاقي، هذه هي الرسالة الثقافية من الزيارة.. . .