سالم سالمين النعيمي

انبثقت مسلمات التنظيمات الإرهابية المعاصرة من أصول الفكر التي تأسست على يد أبو الأعلى المودودي وسيد قطب، وهما قد كفّرا المجتمعات وطالبا بالثورة والانقلاب على الحكومات وتبنيا الفكر الحركي ومفاهيم الولاء والبراء والحاكمية، كما ورد على سبيل المثال في كتاب «معالم على الطريق» لسيد قطب، وهو مما أدى لانقسام جماعة «الإخوان» على نفسها ونشوء فروع سرية مسلحة بجانب جماعات الوهابية الجهادية والسلفية الجهادية، وإنْ كنت أتحفظ على هذه التسمية الأخيرة الجائرة على الإسلام، وهي المتداولة إعلامياً كجزء من دور الإعلام الخفي في هدم منطلقات الإسلام عن جهل أو بقصد، وهو مسمى يُلمّع التيار القطبي ويبرر ممارساته.

فالمسلمون الذين يتبنون مفاهيم العنف المسلح من التيار «القطبي» وغيرهم لا يرون في فكر «الإخوان» الكفاءة الشرعية المطلوبة، ويعارضونهم في الكثير من المبادئ، ولذلك تنظيم «الإخوان» جزء من المشكلة والتحدي الأكبر كان في الفكر التكفيري الذي سبق فكر «الإخوان»، الذين نهلوا منه مع باقي المدارس التكفيرية المتطرفة، وهو بيت القصيد وأصل المشكلة التي لا يناقشها المتخصصون لحساسية الخوض فيها من الناحية السياسية. فلماذا نساهم في تعويم المعرفة الدينية؟ بغض النظر عن من يقف خلف تشويه الإسلام كآخر حصن يقف عائقاً مع بعض جوانب الثقافات والقيم والأيديولوجيات المحلية والمجتمعات والأنماط والمنصات الافتراضية، والتي تحظى بقبول دولي دون فرض ما وراء العولمة على كل الشعوب ولا يخفى على المطلعين أن الكثير من شيوخ ومفكري الإسلام، والذين نطلق عليهم مجددين أو مصلحين منذ القرن الثامن عشر لمعوا وتم دعمهم من الاستخبارات الأجنبية للإمبراطوريات والدول الكبرى والقوى التي لا تزال تهيمن خلف الكواليس. وترجع جذور الفكر وحجر الأساس في فكر الجماعات المعاصرة إلى سيد أمام عبدالعزيز الملقب بـ«سيد فضل» صاحب كتاب «العمدة في إعداد العدة» وكتاب «الجامع في طلب العلم الشريف» وهو المنظر الأكبر من حيث حشد الأدلة والتفاصيل، وأما في ما يخص الخطط والاستراتيجيات والعمليات العسكرية والمرحلية فيعد أبو مصعب السوري وكتابه الشهير «دعوة المقاومة العالمية الإسلامية» مرجعاً قيماً للجماعات المتطرفة.

ومن أخطر الكتب العسكرية للجماعات التكفيرية التي يعتمد عليها التنظيمان هو كتاب «إدارة التوحش»، ولم يتم تناول هذه الكتب والمراجع وغيرها بالكثير من البحث أو الدراسة التي تستحقه والرد عليها بكتب تعد حجة عليها، وخاصة أنه لم يعد منع الوصول لهذه الكتب حلاً مثالياً في ظل الثورة المعلوماتية القائمة.

ففي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وخاصة في مصر، تأست تنظيمات عديدة تطلق على نفسها جهادية وانتشرت مراجع عديدة تؤصل لذلك الفكر ككتاب الشيخ المهندس محمد عبدالسلام فرج والمسمى بـ«الفريضة الغائية»، متأثراً بالفكر الجهادي لابن تيمة ضد التتار، وفكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وإسقاط ما فهمه من قراءة مراجع الشيخين على مسلمي اليوم، والكتاب يفصل بدوره ردة المجتمع وتكفير الحكومات والدعوة لإعلان الجهاد ضد المجتمع، وإنْ كان أفراده من المسلمين، وجعل مالهم وعرضهم وما يملكون مباحاً للجماعة. ومن الوثائق الفكرية المهمة وثيقة بعنوان «رسالة الإيمان» للدكتور صالح سرية الفلسطيني الأصل، والتي تنص بأن الجهاد هو الطريق لإقامة الدولة الإسلامية والحكم بتكفير الحكام وجاهلية المجتمع واعتباره «دار حرب»، وأن كل من ينفذ أوامر الدولة، فهو كافر وفرق بين الامتناع الجماعي، والامتناع الفردي، وصنف الترك الجماعي لأي ركن من أركان الإسلام ككفر.

وهناك مراجع كثيرة مهمة تلهم الجماعات الإرهابية في وقتنا هذا على غرار «مسائل من فقه الجهاد» «وعالم الطائفة المنصورة في بلاد الرافدين» لأبو عبدالله المهاجر وهو مصري الجنسية وهو من كبار مروجي فكرة مشروعية قطع رؤوس الكفار المحاربين، حيث خصص فصلاً كاملاً في كتابه «مسائل من فقه الجهاد» يشرح فيه تحليل وأهمية ذلك الفعل. ومن الكتب الأخرى يُعد كتاب «ملة إبراهيم» لمؤلفه أبو محمد المقدسي في غاية الخطورة، بما أنه يكفر الدولة بكل مكوناتها، ويُكفر من يعمل في وظيفة حكومية عامة، وخصوصاً في السلك العسكري، وكفّر قوات الأمن العربية، كما هاجم الكتب الدعوية، والتي لا تتوافق مع فكره وكفر مؤلفيها، فيما يعتبر كتاب «فصول في الإمامة والبيعة» لأبي المنذر الشنقيطي، من الكتب المؤثرة في عقليات قيادات «داعش» ومفهوم وجوب تنصيب إمام للمسلمين في كل العصور.