محمد الساعد

خلال قمة العشرين المنعقدة في العاصمة البريطانية لندن في الثاني من أبريل 2009، وأثناء التقاط صورة جماعية للزعماء، تقدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي تولى رئاسة بلاده قبل أسابيع فقط، للسلام على الزعماء، وخلال مصافحته للملك عبدالله، رحمه الله، فاجأ الجميع بانحنائه للملك حتى وصل لدرجة الانحناء الكامل، كانت لحظة معبرة، ضجت بسببها وسائل الإعلام الأمريكية والمنتديات والمدونات، التي علقت كثيرا على الحادثة.

لقطة أخرى لافتة، كانت مع الملك سلمان في البيت الأبيض خلال زيارة الملك الأولى لواشنطن، إثر توليه مقاليد الحكم العام 2015، حينها انحنى الرئيس أوباما مرة أخرى، وهو يقدم ضيفه الكبير خلال مراسم الاستقبال.

لا شك أنها مجاملة لطيفة، لكنها لم تكن لتغني ولا تسمن من جوع، فلا السياسي السعودي انطلت عليه تلك الحيلة، ولا الإدارة الأمريكية السابقة تعاملت مع المملكة كشريك تهمه الأفعال أكثر من لقطة بروتوكولية عابرة.

بين اللقطتين جرى الكثير من الأحداث والأسرار والأحاديث العاصفة، فالسعودية التي تبدي عادة الكثير من الحلم والصبر أمام الملفات الشائكة، استطاعت بدهائها ودبلوماسيتها وانعطافاتها السياسية البارعة أن «تركع» مشروع أوباما لهدم الشرق الأوسط وأعادته من حيث أتى، ودفنت أحلام «اليسار» والحركات الإسلاموية المتطرفة المتحالفة معه.

كانت حربا حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة، استخدمت فيها كل الأدوات، اقتصادية وعسكرية وإعلامية وشعبوية عبر تيارات ودول، تغيرت فيها خريطة الشرق الأوسط، انتصر فيها الدهاء البدوي على خطط الغرف المغلقة وأحلام هواة السياسة.

الملك عبدالله، بحسب رواية الأمير تركي الفيصل - في مقال منشور له - وخلال لقاء الملك الأخير بأوباما في مزرعته خارج الرياض، كشف عن تذمر وتململ كبير من الرياض تجاه واشنطن، حين ضرب الطاولة بيده أثناء النقاشات الحادة بعدما وصل الأمر بين العاصمتين إلى منعطفات صعبة وخطرة جدا، بسبب تصرفات أوباما وإدارته المتهورة في المنطقة.

أيضا الملك سلمان تحدث في البيت الأبيض أمام الرئيس باراك أوباما بلغة المعتد بنفسه وبلاده، قائلا إن المملكة ليست في حاجة لأحد وتستطيع أن تحمي نفسها بنفسها، في رسالة واضحة وبليغة، ربما لم يعتد عليها الساسة الغربيون، أكدت أن «المصمك» ينحاز فقط لوطنه وشعبه، ويمد قلبه لمن يمد يديه، وينفض يده ممن يتخلى عن شراكته غير مأسوف عليه.

أعلنت الرياض وبكل شجاعة، خلال سنوات أوباما العجاف، أنها تعارض بلا خوف ولا وجل أي مشروع يهدد مصالحها، ولا يأخذ بعين الاعتبار فضاءها السياسي والأمني والاقتصادي، وتتعامل من مبدأ الندية مع الآخرين مهما كانوا، ولم تقف مكتوفة اليدين أمام مخططات «أوباما» المتحالفة مع التنظيمات المتطرفة، لتحقق مشاريع الشرق الأوسط الجديد على حسابها، وتصعد إيران وتدعم طموحاتها النووية.

السعودية قامت بكل ما ينبغي لحماية وجودها وحلفائها، فعززت الجبهة الداخلية، وأحبطت مخططات التيارات العابرة للولاء المنفذة لأجندة نشر الفوضى والاحتجاجات، وقضت على مشروع داعش الإرهابي، وكل محاولات الفتنة الطائفية المدعومة من طهران.

وخليجيا أرسلت قوات درع الجزيرة لمساندة البحرين ضد الانقلاب الإيراني المغطى سياسيا من واشنطن، وأيدت الشعب المصري في خياراته ورفضه لاحتلال التنظيمات المتطرفة واستعادته لسيادته خلال ثورة 30/‏6/‏2013.

وفي سورية نقضت الرياض المشروع المعد سلفا لسرقة دمشق الأموية العربية، وتسليمها لأطراف إقليمية «أعجمية»، واستطاعت أن تكون طرفا مؤثرا في الملف السوري، بدلا من تلقي النتائج على شكل لكمات سياسية من دول مجهرية.

القضاء على «الغزو» الإيراني للمجال الحيوي العربي والإسلامي لم يقف على اليمن فقط، بل شمل لبنان والسودان، دخولا إلى العمق الأفريقي غربا والآسيوي شرقا.

الرياض وهي تستعد لاستقبال الرئيس ترمب خلال الأيام القادمة تبدو أكثر راحة في التعامل مع زعيم البيت الأبيض الجديد، ولدى واشنطن رغبة واضحة في إسقاط السنوات سيئة الذكر، وإعادة العلاقات لما قبل العام 2009، وهي التي تميزت بتحالف طويل امتد لثمانين عاما، قام على الاحترام والندية وشراكة اقتصادية وأمنية وسياسية عميقة.