سميرة المسالمة

تمخضت اجتماعات «الائتلاف الوطني السوري» أخيراً عن انتخاب هيئة رئاسية جديدة، يترأسها السيد رياض سيف، وهو شخصية مجربة معروفة بصدقيتها السياسية والأخلاقية في معارضة النظام الاستبدادي.

ومعلوم أن سيف كان أحد الشخصيات التي أدركت قصور الائتلاف عن التحول إلى كيان سياسي جمعي للسوريين، في ظل قياداته السابقة، وتحوله إلى كيان مغلق، يفتقد الفاعلية، كما عرف عنه دعواته الجادة لإصلاح هذا الكيان وتطويره.

ولعل ذلك يحمّل الشخصيات التي دعت طوال الفترة السابقة، من أعضاء الائتلاف، إلى مواجهة مشاريع اختطاف هذا الكيان، واختزاله لمصلحة فئات معينة، وتغييبه عن كثير من نشاطات الثورة، لمصلحة محاصصات أو ارتهانات خارجية، غيبت دوره الوطني، مسؤولية المشاركة في البحث عن حلول واقعية لتطوير هذا الكيان، بعد أن أدرك الجميع عمق الأزمة التي يعاني منها هذا الجسم، بعد ما يقارب خمسة أعوام على تأسيسه.

ولا بد أن ينطلق الجميع بداية من مبدأ الاعتراف بأن هذا الكيان لم ينجح في المهمات التي قام من أجلها، ولم يرسخ تقاليد عمل سياسية تجمعه مع السوريين في الداخل والخارج، ومع المجتمع الدولي، ككيان معترف به ممثل للمعارضة السورية، بشقيها التقليدي، من جانب، والمنضوي في إطار الثورة التي قامت من أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديموقراطية للسوريين، من الجانب الآخر.

لا يأتي التعويل على القيادة الجديدة من تسلم شخصية وطنية كرياض سيف لمنصب الرئاسة فحسب، بل لأن الهيئة العامة الناخبة عندما اختارت مواجهة أخطاء الماضي وسلوكياته، فإن ذلك يعني أنها استجابت لأجراس الإنذار التي أطلقتها الشخصيات والكتل المنسحبة منه، خلال دورته السابقة، والتي كانت حذرت من أن بعض الأشخاص والكتل تأخذ الائتلاف إلى مكان يبعده أو يعزله عن مشروعه الوطني، ويحوله إلى شركة خاصة مستولى عليها.

وهكذا فقد أدركت الهيئة الناخبة مسؤولياتها تجاه المقبل من الأيام، بأن الإصلاح يجب أن يبدأ من خيارات الهيئة العامة، ومواجهتها أخطاء الماضي التي كانت ركنت إليها، عبر أكثر من دورة في لحظات يأس أو تسليم بالواقع، ما يمهد الطريق أمام الهيئة الرئاسية وكذلك الهيئة السياسية، لأداء ليس تحت المحاسبة، فقط، بل وخاضع لها، ولرقابة المجتمع السوري كاملاً، لمعرفتي بأن الكثير من الزملاء المنتخبين يحملون هذا الهم الوطني، بل ويحرصون على استعادة الدور الحقيقي للائتلاف، ما يعيدني إلى التذكير بأن مسؤوليات الائتلاف اليوم كبيرة في ما لو أريد له أن يستعيد اعتباره ككيان وطني يمثل كل السوريين، ولعل هذا يتطلب:

أولاً: تعزيز العمل الجماعي المؤسسي والديموقراطي، ما يؤدي فعلياً إلى تكامل الأدوار داخل الهيئتين الرئاسية والسياسية من جهة، والهيئة العامة من جهة ثانية، الأمر الذي غاب كلياً خلال الدورتين السابقتين، مما سمح بالتلاعب بالأدوار، وإزاحة بعض الشخصيات الوطنية من واجهة العمل.

ثانياً: المطابقة بين الدور المناط بالائتلاف وبنيته، حيث من المفترض أنه يشكل الكيان الرئيس للمعارضة، تجاه السوريين والعالم، مما يوجب إعادة النظر بممثلي الكتل والتيارات داخله، بإلغاء حالة الانغلاق على مكوناته، مع إقرارنا أن بعضها فرضه واقع تأسيس الائتلاف ومرجعياته الدولية والإقليمية، لينفتح على ما أفرزته سنوات الثورة الست من كيانات معارضة، وتيارات شبابية عاملة على الأرض داخل سورية وخارجها، ومن شخصيات وطنية مجربة وذات صدقية من شأنها إغناء الائتلاف وتعزيز صدقيته في مختلف المجالات.

ثالثاً: مراجعة خطابات الائتلاف، أو استعادة الخطابات الأساسية للثورة، المتعلقة بإنهاء الاستبداد وإقامة دولة مواطنين أحرار متساوين، دولة مدنية ديموقراطية، دولة تعددية قومياً وثقافياً ودينياً ومذهبياً، بحسب ألوان السوريين، والنأي عن الخطابات الطائفية والدينية والإقصائية المتشنجة والمتطرفة.

رابعاً: إعادة الاعتبار للمصلحة الوطنية السورية لتتغلب على أي مصلحة حزبية أو فئوية أخرى، وذلك بتقويم صريح لعلاقاتنا الخارجية، وتوافقاتنا مع الدول «الصديقة»، ذلك أن أي معارضة يفترض أن تنطلق في علاقاتها من مصالح شعبها، وهذه المصالح تتقاطع في كثير أو قليل مع مصالح دول صديقة أو شقيقة، مما يتوجب تنميتها بما لا يخالف مصلحة الشعب السوري التي هي الأساس للكيان الذي يمثل الثورة.

خامساً: بينت نتائج الانتخابات الجديدة للهيئة السياسية في الائتلاف أن المعايير التي تم اعتمادها في اختيار ما سمي «بالتوسعة النسائية»، أي زيادة تمثيل النساء داخل الائتلاف، لم ترقَ إلى مستوى المكانة التي تطمح لها المرأة السورية، من حضور فاعل في كيانات الثورة ومنها الائتلاف، مما يجعله أمام مسؤولية إعادة النظر من جديد بضم سيدات فاعلات في العمل الثوري والمجتمعي، بعيداً عن المحسوبيات، التي أسقطتها «بوعي يحترم» الهيئة العامة خلال تصويتها الأخير, وهذا لا يعني الرضوخ لعدم تمثيل المرأة في هذه الهيئة، مع أهمية تأجيل ذلك لما بعد العمل على زيادة جدية في نسب تمثيل المرأة؛ كما تقول وثائق المعارضة.

ومن هنا ومن واقع الحديث عن المرأة ودورها الفاعل في الثورة السورية، لا يمكن تجاوز تذكير الائتلاف بمسؤوليته تجاه كل المعتقلات في سجون النظام السوري، وفي الوقت ذاته تجاه أيقونتين للثورة: رزان زيتونة وسميرة الخليل، المغيبتين قسراً في مناطق سيطرة المعارضة، والإسراع كما اقترحت سابقاً، وأنا في موقع نائب الرئيس، قبل انسحابي من الائتلاف، بإحالة الملف إلى لجنة قضائية تبحث في القرائن الموجودة لدى المنظمات الحقوقية وفي دفوعات «جيش الإسلام» المتهم باختطافهما.

البدايات الجيدة عادة تبدأ من دراسة النهايات، وتحليل أسبابها، لا بتجاوزها والمرور عليها، كأنها مرت بلقاء عابر، فالسنوات الماضية حملت كثيراً من الانتكاسات وخيبات الأمل، وحتى نتجاوزها على القيادة الجديدة أن تتوجع بوضع إصبعها على الجرح لتشفيه لا كي تخفيه.

هذه العودة للحديث عن الائتلاف غايتها التأكيد دوماً أن الأمل متاح عندما تتوافر الإرادة للعمل، ومن بين الأسماء المنتخبة ما يمكن أن يوفر هذا المقدار الضئيل من الأمل للعمل هذه المرة حقاً من أجل سورية ومن أجل السوريين.


* كاتبة سورية