خالد أحمد الطراح

الأخبار التي تنشرها الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي عن قرارات الإدارة الحكومية باتت محل تندر واستغراب منذ فترة، وهو سيل من القرارات المتناقضة والمتضاربة أيضاً!
ففي 2017/4/13 نقلت القبس عن «انتهاء وزارة المالية من إعداد آلية جديدة تضمن متابعة تنفيذ الدراسات التي يكلف بها فريق البنك الدولي العامل في الكويت»، بعد أن تبيّن أن هناك «شكاوى من قيام كثير من الجهات الحكومية بطلب دراسات من البنك الدولي، ثم تهمل ولا يؤخذ بتوصياتها»!
وتضمن الخبر تبنّي وزارة المالية آلية جديدة «تضمن تحقيق الاستفادة القصوى من تلك الدراسات، بحيث تكون وزارة المالية هي الجهة المشرفة التي تراقب عملية تنفيذ التعاقدات مع البنك الدولي حول القضايا المختلفة التي تطلبها الجهات الحكومية، وإن اتّفاقاً تم بين وزارة المالية والبنك الدولي بهذا الشأن».
حين قرأت الخبر عن «استعانة جهات حكومية بالبنك الدولي ولا تلتزم بتوصيات دارساته» لم يكن الخبر محل استغراب بقدر الاستغراب من القرارات التي اتخذتها وزارة المالية بخصوص عدم التزام الجهات الحكومية بتوصيات البنك الدولي، بينما ـــ كما يبدو ـــ إن من اتخذ هذا القرار وتبنى «آلية عمل جديدة» نسي، أو ربما ليس على علم بعدد مجلدات من دراسات للبنك الدولي، التي تم تقديمها بعد تحرير الكويت لمرحلة إعادة بناء الكويت ومعالجة الاختلالات الاقتصادية والهدر في الإنفاق الحكومي، وضرورة تقليص دور وهيمنة الدولة على القطاعات الخدمية، وتعزيز المشاركة مع القطاع الخاص من أجل تخفيض الأعباء من كاهل الحكومة، علاوة على وضع خطة إعلامية لمواكبة الإصلاحات المالية والاقتصادية ضمن خطة شاملة لإعادة بناء الكويت، باعتبار أن الظروف كانت مناسبة جدّاً ومهيأة في اتخاذ مثل هذه السياسات.
في 1994 شكّلت وزارة المالية اللجنة العليا لإصلاح المسار الاقتصادي التي طوّرت دراسات مشتركة مع البنك الدولي على صعيد معالجة الاختلالات الاقتصادية، ثم تلا ذلك صدور المرسوم الاميري رقم 78 في 2001 بشأن الإصلاح المالي والاقتصادي، حيث تم تقديم أيضاً دراسات وتوصيات لا تختلف عن توصيات البنك الدولي، بل تلتقي مع توصياته.
في ذات الوقت، كان هناك عمل على نفس المستوى إلى حد كبير لفرق عمل استشارية من داخل الكويت وخارجها تحت مظلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ووزارة التخطيط والتنمية لكثير من الجهات الحكومية.
كل هذه الدراسات والتوصيات، التي كانت تحت يد وزارة المالية تحديداً، لم يتم تنفيذ أو الاستفادة منها حتى بنسبة %1، في حين خرجت وزارة المالية بما يسمى وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي في مارس 2016، وهي تضمنت قصا ولصقا لمحاور غير مترابطة، بدلا من الاستفادة من تطوير دراسات علمية ومهنية، يفترض أن تكون في أدراج وزارة المالية، فمثل هذه الدراسات لا تفقد صلاحياتها!
من باب أولى أن تحاسب وزارة المالية نفسها قبل غيرها في مدى الاستفادة من توصيات محلية ودولية لمعالجة الاختلال الاقتصادي والبدء من حيث ما انتهت إليه تلك الدراسات والتوصيات اختصاراً للوقت وترشيداً للإنفاق الحكومي على دراسات جديدة والاستعانة بخبراء جدد!
إذا كان ثمة تقصير وإهمال فهما في جهاز وزارتي المالية والتخطيط نتيجة قرارات تقفز على ما سبق من توصيات، رغم أنها صالحة حتى اليوم!