صدقة يحيى فاضل

فأجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب العالم (يوم 28/‏ 4/‏ 2017م) بإطلاق تصريح تاريخي، قال فيه: «أفتخر بأن أنقل لكم هذا الإعلان التاريخي والعظيم، وهو أن زيارتي الخارجية الأولى، كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، ستكون للسعودية، ثم إسرائيل، وبعد ذلك روما».

وقد أعلن البيت الأبيض أن هذه الزيارة ستبدأ يوم 23 مايو الجاري. وستكون الزيارة الأولى تاريخيا لرئيس أمريكي إلى دولة عربية أو إسلامية، في أول زيارة خارجية له. وكانت الزيارات الخارجية الأولى لرؤساء أمريكا السابقين لترمب، لكل من: كندا، المكسيك، هندوراس، بنما، بريطانيا، بلجيكا، وغيرها من الدول الأوروبية الحليفة.

هذا يعطي أهمية خاصة لهذه الزيارة، وللبلد المضيف وأمته، ولما سيتمخض عن هذه الزيارة من قرارات وسياسات.. وتتضمن هذه الزيارة عقد قمم ثلاث، ذات أهمية سياسية مفصلية خاصة للمنطقة العربية، شعوبا وأرضا، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها. إذ يتوقع أن تتمخض هذه القمم عن قرارات وسياسات جديدة.. ستصبغ مستقبل المنطقة بصبغة «أمريكية ــ ترمبية»، يؤمل أن تحمل الأمن والسلام والازدهار.

القمة الأولى ستكون ثنائية بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس ترمب. وبالطبع، فإن هذه القمة ستركز على مواضيع العلاقات الثنائية السعودية ـــ الأمريكية، ثم الرؤى تجاه القضايا ذات الاهتمام المشترك. سيتم دعم العلاقات الثنائية، والتأكيد على تنميتها وخاصة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. أما بالنسبة للقضايا ذات الاهتمام المشترك، فإن أهمها الآن هي: السياسات التوسعية الإيرانية، مكافحة الإرهاب، قضية فلسطين والصراع العربي ــ الإسرائيلي، الملف النووي بالمنطقة، الأوضاع السياسية المضطربة في كل من: سورية، العراق، اليمن، ليبيا، وغيرها. وكل هذه القضايا الساخنة تهم المملكة جدا، لأنها تمس أمن وسلام المنطقة ككل. وهذه القضايا تهم أيضا أمريكا ربما بنفس الدرجة، باعتبار أن أمريكا دولة عظمى، لها مصالح حيوية في هذه المنطقة، ولها سياسات كونية تعتبر المنطقة العربية بالغة الأهمية الاستراتيجية. واتخاذ سياسات ومواقف سعودية ــ أمريكية موحدة وقوية تجاه كل من هذه القضايا، يدعم هذه المواقف، ويجعلها أكثر فاعلية وتأثيرا في خدمة المصالح المشتركة للطرفين.

أما القمة الثانية، فستكون خليجية ــ أمريكية.. حيث سيحضر الرئيس ترمب القمة التشاورية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تعقد بين القمتين الخليجيتين السابقة واللاحقة، في منتصف كل عام. وستركز هذه القمة أيضا على العلاقات الثنائية الخليجية ــ الأمريكية وما يتعلق بها من مسائل وشؤون، ثم القضايا ذات الاهتمام المشترك.. ومعظمها قضايا المنطقة الساخنة المذكورة آنفا.

ثم تعقد القمة الثالثة، وهي القمة الإسلامية ــ الأمريكية. حيث يحضرها الرئيس الأمريكي من جانب، وبعض قادة دول العالم الإسلامي التي تشارك في التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، من الجانب الآخر. ومعروف أن هذا التحالف العسكري أنشئ في ديسمبر 2015م، ويضم الآن 41 دولة، وتوجد غرفة عملياته المشتركة بالرياض. ويبدو أن هذه القمة الثالثة ستركز على ضرورة نبذ التطرف والتأكيد على الوسطية والاعتدال.

إنها قمم تاريخية ثلاث.. بين أمريكا من ناحية، والعرب والخليجيين والمسلمين من الناحية الأخرى. وتعقد تباعا، وفى إطار رغبة طرفيها الجامحة في إيجاد حلول سلمية وعاجلة وعملية لما تعاني منه المنطقة من أزمات وصراعات وحروب مشتعلة خطيرة.

وبالطبع، فإن أهداف السياسة الأمريكية تجاه المنطقة ثابتة أو شبه ثابتة، ولا يتوقع أن تتغير. ولكن أسلوب و«وسائل» تحقيق هذه الأهداف ستؤكد، في هذه المرحلة، على عناصر ثلاث.. صرح بها الرئيس ترمب نفسه، وهي:

1ــ عدم رغبة القيادة الأمريكية في أن «تملي على الآخرين طريقة الحياة التي يجب أن يسلكوها».

2ــ بناء ائتلاف وتحالف (أمريكي ــ عربي ــ إسلامي) من الأصدقاء والشركاء الذين يتقاسمون هدف مكافحة الإرهاب والتطرف والعنف، والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

3ــ «السعي لبناء مستقبل مشرق للشباب المسلم في بلدانهم».

وباختصار، يمكننا القول: إن هذه القمم تسعى، مجتمعة، لإقامة تحالف عربي ــ إسلامي ــ أمريكي ضد التطرف والإرهاب والاضطراب. وكل ذلك يذكر بالسياسة الأمريكية العتيدة نحو العرب والمسلمين، وأهم ما يريده العرب والمسلمون من أمريكا، سواء في عهد ترمب أو غيره. وكذلك أهم ما تريده أمريكا من العرب والمسلمين. ومن المناسب إيجاز ذلك فيما يلي:

يحمل الرأي العام الشعبي السعودي تقديرا كبيرا تجاه أمريكا، فغالبية السعوديين يعتبرون الشعب الأمريكي من أرقى الشعوب، ويثمنون إنجازاته، وحضارته. ومعظم الشعوب العربية تكن احتراما كبيرا للأمريكيين، وإعجابا بتفوقهم ومنجزاتهم الحضارية الرائعة. ونجد أن السياسة العربية والسعودية تجاه أمريكا، بصفة عامة، ملؤها المودة والوفاء والسعي لخدمة المصالح المشتركة.

وطالما أن أمريكا تريد الصداقة الحقيقية لكل الشعوب العربية والإسلامية، فإن من المناسب والمطلوب اتخاذ سياسات ربح/‏ ربح (win – win) تقوم على الاحترام المتبادل، وخدمة المصالح المشتركة للطرفين معا. إن هذه الصداقة ضرورية، وتفيد الجانبين، وتفيد أمريكا بقدر أكبر؛ لأنها لن تكلف أمريكا سوى اتخاذ سياسات ومواقف تتماشى والحق، والمنطق الإنساني والسياسي السليم.

ولعل أهم ما يريده العرب الآن من أمريكا هو التالي:

1ــ المساهمة في الحفاظ على وحدة وسلامة البلاد العربية، وحمايتها من التقسيم والتجزئة.

2ــ العمل بجد على مكافحة الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله، والحرص على استتباب الأمن والسلام والاستقرار الحقيقي بالمنطقة.

3ــ حل الصراع العربي ــ الصهيوني حلا عادلا، يضمن تحقق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المظلوم.

4ــ المساعدة في إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط، ونزع هذا السلاح من كل دول المنطقة.

ومقابل ذلك، أعتقد أن غالبية العرب ستقدم لأمريكا -وبطيب خاطر- كل ما يمكنها تقديمه، ولا يخل بأمنها واستقلالها وكرامتها، كي تظل هذه الولايات المتحدة دولة عظمى محترمة ومقدرة.. يفخر بصداقتها والتحالف معها، فيما يسهم في إحقاق الحق، وإعلاء كرامة البشر، في كل مكان.

وختاما، نقول: أهلا وسهلا بفخامة الرئيس دونالد ترمب.. آملين تدشين مرحلة جديدة في هذه المنطقة المأزومة، أساسها العدل والأمن والسلام والاستقرار، والكرامة لكل أهلها.