الياس حرفوش

هناك حالة من الوهم تشيعها إيران عن نفسها وعن نظامها كل أربع سنوات. يريد النظام الإيراني أن يوحي لمواطنيه وللعالم انه نظام «ديموقراطي»، يُجري انتخابات رئاسية يتاح فيها الترشيح وحق الانتخاب للجميع، أسوة بما يجري في أي نظام ديموقراطي، ويفتح شاشات التلفزيون لمناظرات بين المرشحين، مثلما تفعل دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. لكن الكل بات يعرف كيف تتم غربلة المرشحين للرئاسة في إيران من جانب لجنة صيانة الدستور، بحيث لا يبقى منهم «مؤهلاً» سوى أولئك الملتزمين بقواعد نظام الجمهورية الإسلامية وبالولاء للمرشد الأعلى. كما يعرف الكل أيضاً كيف يستطيع «الحرس الثوري»، الذي يعتبر الحارس الفعلي للنظام، أن يقطع الطريق على من يمكن أن «يتسرب» من غربال الفرز، مثلما حصل في انتخابات عام 2009، التي انتهت بعملية قمع دموية في الشوارع، أبعدت مير حسين موسوي، لتمهد الطريق لمحمود أحمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية، باعتبار أنه كان الابن المدلل لعلي خامنئي في ذلك الحين.

وعلى رغم انقضاء ما يقرب من أربعة عقود على قيام الجمهورية الإسلامية، لا يزال هذا النظام خائفاً على استقراره وعلى بقائه، من أي ريح يمكن أن تهبّ سواء من الداخل او الخارج. وهو ما يفسر القيود التي يضعها على العملية الانتخابية وعلى اتجاهات الناخبين. كما يفسر هذا الخوف التصريحات الأخيرة التي أدلى بها خامنئي عشية الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى نهار الجمعة المقبل في 19 الشهر الجاري، والتي حذّر فيها من أي تغيير في سلوك النظام الإيراني، معتبراً أن هذا التغيير سيؤدي الى تغيير النظام نفسه.

والحقيقة أن خامنئي أحسن بهذا التحذير، وكشف حقيقة «الديموقراطية» البائسة التي يتم تسويقها للإيرانيين. لم يكن تحذير خامنئي موجهاً فقط الى الخارج، بل الى أهل الداخل أيضاً. فقد اتخذ موقفاً واضحاً من المرشحين، ووضع نفسه في موقع الخصومة المباشرة مع الرئيس الحالي حسن روحاني، عندما ركز في اتهاماته على بؤس الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه إيران في ظل روحاني، ودعا الى الالتفات في شكل جدي الى هذا الوضع، معتبراً أن معيشة الناس يجب أن تأتي في الدرجة الأولى من الأهمية. ويتجاهل خامنئي حقيقة أن جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية يعود الى الانفاق المفرط على الميليشيات التي تمولها إيران لتنفيذ سياساتها في المنطقة، بإشراف مباشر من «الحرس الثوري» الذي لا يلتزم سوى بأوامر خامنئي.

تلتقي اتهامات المرشد بصدد سوء الحالة الاقتصادية مع مواقف المرشح المحافظ ابراهيم رئيسي، الذي يعتبر المرشح الرئيسي للتيار المتشدد. وفي المناظرة الأخيرة التي تمت بين المرشحين الستة، هاجم رئيسي سياسات روحاني، وقال إن الفقر زاد في ظل الحكومة الحالية، وكرر الدعوة التي أطلقها خامنئي الى مساعدة الطبقات الفقيرة. ولذلك بات يُنظر في طهران الى رئيسي على أنه الرجل الذي يريده خامنئي، والذي يتم تأهيله لخلافته في منصب المرشد.

الإصلاح الاقتصادي هو وهم آخر من الأوهام التي يتم تسويقها للإيرانيين. ذلك أن تحسين الوضع الاقتصادي لا يمكن أن يتم بمعزل عن الانفتاح السياسي. فالعقوبات المفروضة على إيران هي السبب الأكبر وراء أزماتها الحالية، على رغم امتلاكها احتياطاً كبيراً من النفط والغاز لا تستطيع الإفادة منه. والعقوبات هي نتيجة مباشرة لسياسات إيران في المنطقة، والتي عجز توصل روحاني الى الاتفاق النووي مع الغرب عن كبح جماحها.

هذا الربط بين الاقتصاد والسياسة هو ما أشار إليه الرئيس الإيراني في معرض الدفاع عن برنامجه الحكومي في المناظرة الأخيرة بين المرشحين. قال روحاني: اذا كنا نريد تحسين الاقتصاد فلا يجب أن نسمح لجهات أمنية أو سياسية أن تتدخل في الاقتصاد.

عبارات صريحة وواضحة، موجهة مباشرة الى الجهة الأمنية الأقوى (الحرس الثوري) والى من يقف وراءها. عبارات قد يخسر روحاني بسببها فرصة ولاية رئاسية ثانية.