وليد خدوري

تضمّن تقرير لمؤسسة عبدالله بن حمد العطية الدولية للطاقة والتنمية المستدامة، مقالات لـ25 من المخضرمين المتخصصين بقطاع الطاقة، أصدرته في اجتماعها السنوي في الدوحة الأسبوع الماضي، يعرضون فيها نظرتهم المستقبلية للطاقة. وعالج التقرير مستقبل «أوبك» والصناعة النفطية والتنمية المستدامة ، والآثار المترتبة على اتفاق باريس لعام 2015 لمكافحة التغير المناخي، ووضع حد لانبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. وشملت أيضاً التحديات الاقتصادية التي تواجه الدول المنتجة في ظل استمرار انخفاض أسعار النفط للسنة الثالثة، والتطورات العلمية في مجالات بدائل الطاقة المستدامة، من دون أن تغفل نمو صناعة الغاز المسال في قطر والعالم، وآثار نمو صناعة النفط الصخري.

وفي عرض مختصر لأهم المعلومات الواردة في بعض هذه المقالات واستنتاجاتها الرئيسة، يرد أن اتفاق باريس للمناخ ترك بصماته على صناعة النفط العالمية ، لأن دول العالم وافقت على اتخاذ خطوات معينة لوضع حد لظاهرة الاحتباس الحراري. من ثم محاولات الشركات ، تعويض الخسائر التي ستلحق بها بسبب خسارة الأسواق. كما ستضطر الشركات إلى استعمال تقنيات حديثة تساعدها في الانتقال من صناعتها النفطية التقليدية الى أخرى ذات تقنيات جديدة، تستغل فيها الخبرات الفنية المتوافرة لديها والانتقال الى مجالات عمل قريبة بما تقوم به حالياً، منها، أسر ملوثات ثاني أوكسيد الكربون من وسطها الغازي، وهي صناعة مهمة لتطبيق اتفاق باريس المناخي. كما تعتمد على خبراء وفنيين كثر يعملون حالياً في شركات النفط ذاتها، وتتطور تدريجاً لتصبح تجارة رابحة. وبادرت بعض الشركات إلى توسيع نطاق أعمالها من خلال توسيع محطات التجزئة، فضلاً عن زيادة ما تعرضه في محطات توزيع البنزين، مما يوسع اتصالاتها وعلاقاتها مع ملايين المستهلكين. إذ أخذ بعض محطات البنزين مثلاً، يوفّر خدمات لشحن السيارات الكهربائية وأخرى توفير البضاعة التي تُطلب عن طريق التجارة الإلكترونية، والبعض الآخر من المحطات يؤمن إمدادات الهيدروجين لشحن خلايا الوقود. واتجهت بعض الشركات إلى البحار العميقة، معتمدة على الجيولوجيين والمهندسي الذين يعملون معها، ناهيك عن تسويق النفط والغاز البحري، كما تسوقهما من اليابسة.

ويُحتمل جداً بروز شركات خلال العقد المقبل ستتوسع في كل المجالات التجارية الجديدة أو بعضها. وسينجح بعضها في الأعمال الجديدة وتخسر أخرى تجارياً. لكن المهم، ضرورة أن توسع الشركات أعمالها وتنوّعها، لتعويض ما ستخسره من أسواق.

المهم أيضاً أن العالم يتعامل اليوم مع قرارات مهمة تتعلق بطاقات الغد، لكن من الواضح أن لا جواب واحداً للجميع.

توجد أمور أصبحت شبه مؤكدة. إذ إن الطلب العالمي على الطاقة إلى ارتفاع ولو بمعدلات أقل بقليل نسبياً عن السنوات الماضية. وسنلاحظ زيادة لافتة في الطلب من أفريقيا، للارتفاع المتوقع في عدد سكانها، ولأن معدلات الاستهلاك الحالية منخفضة جداً.

ومن الأمور المتوقعة أيضاً، استمرار هيمنة المصادر الهيدروكربونية على الطاقة. وهنا يضطلع دور إنتاج النفط والغاز الصخري بأهمية كبيرة في ديمومة هيمنة المصادر الهيدروكربونية. فيما الأمر الثالث المتوقع هو حدوث التغير المناخي بسرعة وفي شكل لافت.

أما بالنسبة إلى الأمور غير المؤكدة، فتتمثل بالتخزين الضخم للكهرباء وفي ما ستصبح عملية تجارية رابحة. وإذا تحقق إمكان التخزين الكهربائي الواسع، سيصبح الاستهلاك الكهربائي أهم سوق للطاقة، لأن ذلك يعني توسع استعمال الكهرباء في التدفئة والسيارات. أما إذا أخفق العلماء في تطوير التخزين الكهربائي الواسع اقتصادياً، فهذا سيعني استمرار هيمنة الموارد الهيدروكربونية. لكن، توجد في الوقت ذاته، حلول وسطى، مثل السيارة الهجينة التي تستعمل ليترين من البنزين لقطع مسافة 100 كيلومتر.

تمر صناعة الغاز المسال العالمية في مرحلة تغييرات كبيرة، إذ ارتفع إنتاج الغاز المسال العالمي نحو أربعة ملايين طن عام 2014 ليصل الإنتاج العالمي إلى نحو 250 مليون طن عام 2015، فضلاً عن وجدود دراسات ومشاريع لزيادة الإنتاج 125 مليون طن إضافية تصل إلى الأسواق خلال 2017. لكن على رغم كل هذه الزيادات في الإمدادات، تقلّص الطلب.

والمتوقع، ازدياد الطلب 1.5 في المئة سنوياً حتى 2021 مقارنة بزيادة 2.2 في المئة سنوياً خلال الأعوام الخمسة الماضية. والسبب في الانخفاض، يعود إلى ضعف الطلب في آسيا، واستمرار تراجع أسعار النفط، على الأقل حتى منتصف2017. وأدى هذان العاملان إلى تدني الطلب وأسعار الغاز.

وتوجد حالياً منافسة قوية على الأسواق بين الأقطار الجديدة المصدرة للغاز المسال، الولايات المتحدة واستراليا، اللتين ستشكلان 90 في المئة من الصادرات الجديدة للغاز المسال، وبين قطر أكبر دولة للغاز المسال، وهي تمتاز بمرونة صناعة الغاز المسال لديها، للاتفاقات الطويلة الأمد والتجربة التي تملكها مع الأسواق الآسيوية. تبرز حالياً أسواق جديدة للغاز المسال تستوعب الكميات الجديدة. ويُتوقع أن يتضاعف استهلاك الغاز في دول الشرق الأوسط بحلول 2020، للزيادة في عدد السكان وارتفاع طاقاتها الكهربائية الجديدة التي تتغذى بالغاز.

وطرأ عامل جديد تتعاطى معه الصناعة النفطية، وهو ترشيد الاستهلاك. وقد شرّع عدد من الدول قوانين لترشيد الاستهلاك. لكن التقديرات هي أن الترشيد الحالي يغطي 30 في المئة فقط من استهلاك الطاقة العالمي. من ثم، المجال مفتوح لترشيد نسبة الـ70 في المئة المتبقية.

هيمنت المواصلات على الطاقة في القرن العشرين. لكن لا يُستبعد أن تهيمن الكهرباء على الطاقة في القرن الحالي. وأثار انخفاض أسعار النفط منذ 2014 اهتمام الدول المنتجة . ولأن أسباب الانخفاض قد تكون طويلة الأمد (بسبب النفط الصخري)، فقد بادرت بعض الدول المنتجة إلى تبني إصلاحات اقتصادية، وتحديداً تنويع القطاعات الاقتصادية المنتجة .

لكن يبقى السباق بين تنويع اقتصادات الدول المنتجة والأبحاث في صناعة الطاقة. مَن ستكون أسرع؟ الأبحاث العلمية في الدول الصناعية، أم الإصلاحات الاقتصادية في الدول المنتجة.