خالد أحمد الطراح

يعتبر النظام الديموقراطي في المملكة المتحدة من أعرق الأنظمة الديموقراطية، لكن الفرق شاسع بيننا وبينهم في التفسير والقبول والالتزام بالديموقراطية، ففي بريطانيا والدول التي تتميز بنظام ديموقراطي يتعثر العمل السياسي ككل في كثير من الأحيان بسبب ظروف وتحديات مختلفة تنتهزها الأحزاب المعارضة لتكثيف الحملات ضد الحزب الحاكم ضمن النظام الديموقراطي واللائحة البرلمانية بهدف إسقاط الحكومة أو إثبات فشلها حتى يتسنى للأحزاب الأخرى التمهيد لتحقيق تقدم سياسي على الحكومة وهو الحزب الحاكم الذي يأتي نتيجة انتخابات شعبية.
مثل هذه المعارك السياسية تعتبر أمراً مشروعاً وظاهرة سياسية صحية ومقبولة من كل الأطراف الحزبية، وهو أمر مشروع طالما كل حزب ملتزم بالنظام السياسي واللائحة وأي احتقان سياسي أو حتى صدام بين الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة لا يعني بأي حال من الأحوال الانقضاض على سلطة الحكومة أو الحزب الحاكم، فالمعركة السياسية لا تحاك خلف الكواليس، وإنما تتم أمام مرآى ومسمع الشعب إعلامياً دون أي اجتزاء وخلال جلسات الأسئلة والأجوبة لمجلس العموم البريطاني الأسبوعية التي غالباً ما تكون بحضور رئيس الحكومة وأعضائها حيث يأخذ كل رأي وسؤال برلماني حقه أثناء جلسات المواجهة البرلمانية التي تستند إلى لائحة واضحة.
حتى في ظل مثل هذا النظام الديموقراطي، نجد أن هناك بعض التطورات السياسية التي تبرز من خلال مواقف لأحد أو عدد محدود لأعضاء مجلس العموم تحمل شبهات خدمة أجندات خارجية لكنها لا تجد لها منفذاً بسبب اللائحة البرلمانية الصارمة والنظام السياسي.
الوضع السياسي في الكويت مختلف جداً عن باقي الأنظمة الديموقراطية حيث لدينا تاريخ عريق من المكتسبات الدستورية التي نظمها وصانها دستور مكتوب، بينما ليست لدينا أحزاب سياسية ولا حكومة منتخبة، وهو ما يحفز قلة قليلة، خصوصاً من هم مقربون من دائرة السلطة الحكومية في استغلال بعض التطورات السياسية التي تصاحب ملامح بروز مساءلة نيابية جادة للإدارة الحكومية وربطها في ما نتمتع فيه من نظام ديموقراطي حتى تبدو المعضلة في الديموقراطية وترتفع الأصوات المنادية بحل مجلس الأمة أو حتى تعليق مواد الدستور!
في المقابل، لا تعترف هذه الأصوات النشاز بأن لب المشكلة في غياب العزيمة وضبابية الرؤية الحكومية، وليس في طبيعة ومضمون المساءلة البرلمانية، فهي ممارسة دستورية ضمن سلطة الرقابة والتشريع!
لا يجوز أن يُجتزأ التاريخ بسبب تناد متعمد للبعض لتوجيه مناشدات بحل مجلس الأمة أو تحميل أي حالة من الصدام أو المساءلة النيابية للديموقراطية، فالنظام الديموقراطي في الكويت كان عاملاً أساسياً في التلاحم الشعبي الكويتي حول الشرعية، علاوة على حشد دعم المجتمع الدولي للكويت إبان محنة الغزو ومثل هذه الدروس التاريخية لا ينبغي تناسيها مهما تعقدت الظروف السياسية.
المطلوب ليس أكثر من تخطيط سياسي حكومي واقعي الرؤية، يواكب مخرجات الانتخابات الأخيرة واستشراف جميع الاحتمالات، فالحل ليس بتعليق بعض مواد الدستور وليس بحل مجلس الأمة، وإنما في وضوح رؤية سياسية للتحديات ومعالجتها بأسلوب حكيم بعيداً عمن يسعى لإثارة الفوضى والتأثير في القرار السياسي لتحقيق مكاسب خفية!
تجنب المساءلة الدستورية تحت ذرائع مختلفة ليس حلاً، فالفساد لا يمكن اقتلاع جذره دون رقابة برلمانية صارمة ومساءلة سياسية مهما اقتضى الأمر.