سمير عطا الله

لم يكن في الصحافة العربية توأم لأبي عبد الله تركي السديري. ليس في الأقلام، فهي تنوع، وليس في الاحتراف فهو سباق بلا نهاية، ولا في الشجاعة، فهي فرض لا ميزة. وإذا كان الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، قد سماه «ملك الصحافة السعودية» فلم يبقَ متسع من الألقاب لهذا البدوي النبيل، الأليف، الودود، المتواضع، العادل وحارس الصداقات. كان أبو عبد الله خلّ الناس، ورفيق الملوك. سريع الرد قليل الغضب. سيفه قلم من محبّة ودرع من حماية ضد كل ظلم، سواء كان المظلوم صغيراً أم كبيراً.
وعندما كنت أكتب دفاعاً عن زميل أو سياسي أو عامل، كنت أعرف أن أول المتصلين في اليوم التالي، سوف يكون أبو عبد الله، بطيبته وحماسه وصدقه وأخلاقياته. كان يحرص على العدل فيما يكتب، ويبحث عن الإنصاف فيما يكتب الآخرون.
وكان غني الأفق كما هو غني القلب. ليكتب في الثقافة وفي السياسة وفي الأدب وفي التاريخ وفي بساطات ويوميات الدنيا. وإلى موهبة القلم كان من جبابرة الإدارة. ومعه انتقلت «الرياض» من صحيفة حِرفية إلى واحدة من أهم وأنجح الصحف في الشرق. وعندما حضرتُ تدشين دارها الكبرى، خيَّل إليَّ أنني في افتتاح صحيفة أميركية كبرى. واختار خطيب الحفل الملك سلمان بن عبد العزيز المناسبة التي تحمل اسم إمارته، ليلقي يومها خطاباً فكرياً سياسياً يمثل رؤيته إلى إدارة الحكم، مشدداً على أمرين جوهريين: عروبة المملكة ودور الطبقة الوسطى في بناء البلدان.
كان تركي السديري يتصرف في الحياة الخاصة وفي العمل العام، على أنه مسؤول المسؤولية الكاملة في الحالتين: مندوب الصحافة لدى الدولة، وحرص الدولة عند الصحافيين. وفي المهمتين كان هو، بكل طيبته وكل صدقه. وكان له من الاحترام لدى جميع الفرقاء ما يجعل منه مرجعاً باراً وموثوقاً.
بالنسبة إليَّ، كنت معجباً بصورة خاصة بتركي السديري الكاتب: ذوقه المرهف وثقافته الواسعة وتواضعه في التجاوب مع أذواق الناس. لم يدفعه لقب «ملك الصحافة السعودية» إلى اعتلاء برج عاجي، بل ظل يغرف كل يوم من محبرة الناس والأيام، متابعاً الأحداث كأنه صحافي ناشئ، وليس شيخاً جليلاً من شيوخ المهنة والمعرفة. وكان غالباً دليلي إلى راحة البال، أشعر بالطمأنينة عندما أكتشف أنني متفق معه. كما كانت مقالته مشجعة ومحفزة، لأصحاب الأقلام. وفي غيابه، تفقد الصحافة العربية صاحب مدرسة سوف يحافظ على إرثها العشرات من الخريجين، وتفقد ذا الهالتين: الطيبة والاحترام.. .