عبدالله بن بخيت

كانت الصحافة السعودية في مراحل تأسيسها الأولى تدار بعقلية الأدباء وأصحاب الثقافة التقليدية. لم تدرك صحافة البدايات معنى أن تكون صحفياً وتكتب مادة صحفية. معظم مقالات الرواد أقرب إلى الأدب والبحوث والخواطر.

تزامنت نهضة المملكة التحديثية مع دخول الرياضة حياة الشباب في تلك الأزمنة. تأسست الفرق الرياضية واتخذت بعداً جدياً ونالت اهتمام الدولة. فظهر جيل من الكتاب يقعون بين الأدب والرياضة, يهتمون بالأدب والرياضة في نفس الوقت, فجاء الزمن الذي يجب أن يظهر فيه تركي السديري وجيله. في أواخر السبعينات خطوت خطوتي الأولى في الصحافة. التقيته أول ما التقيته جالساً على كرسي رئيس التحرير. مع الأسف لم أقرأ له قصة ولم أقرأ له مقالاً في الرياضة. من أول لقاء به أحسست أنه يتسم بروح شعبية خالصة. لم يزحزحه منصبه القيادي عن روحه الشعبية ولكني لم ار فيه اهتماماً بالرياضة كما كنت اسمع. بعد سنة من العمل في الجريدة انضممت لشلته التي كانت تتسامر في منزله في شمال المربع. مجموعة محرري جريدة الرياض ومدرائها. عرفت شخصيته بعيداً عن أجواء العمل.

كان يدخل على مكاتب المحررين صامتاً أو أن يدخل بموضوع محدد في قضية ساخنة ويطرحه علينا ونتناقش معه فيه ثم يتركنا في طريقه إلى مكاتب زملاء آخرين. من أصعب الأمور معارضته. كان صارم الرأي. يقاتل عن آرائه الثقافية أو الفكرية أو السياسية بحجة المؤمنين. وسم هذا نظامه الإداري: إما إن تبقى معه طويلاً أو ترحل عنه مبكراً. يطالب كل العاملين معه بالولاء التام للجريدة كوطن. تدافع وتنافح عنها في السراء والضراء لا تكتب لغيرها حتى خارج البلاد في المقابل تحصل على امتيازات لا يمكن أن تحصل عليها في أي جريدة أخرى. كان كريماً وعادلاً مع العاملين. لا تعرف عنه أي تمييز طبقي أو جندري أو مناطقي أو طائفي.

سيدخل تركي التاريخ من بوابتين الأولى ريادته في الصحافة كواحد من مؤسسيها (مهنياً) وسيدخل التاريخ من بوابة الحداثة والوطنية. عندما تعمل في جريدة الرياض مع تركي السديري تشعر حقاً أنك تعمل في المملكة العربية السعودية بكامل تجلياتها وبمستقبلها التي تتمناه لها. زملاؤك من كل المناطق ومن كل المشارب الثقافية السعودية. لا يتوفر لأي أحد امتياز بناء على انتسابه العائلي أو القبلي أو المناطقي او الطائفي وتحصل المرأة في جريدة الرياض على كامل الحقوق التي يحصل عليها زملاؤها الذكور. وإذا فصلنا قضية المرأة عن قضية التحديث ستصادف تركي بوابة ثالثة يدخل من خلالها التاريخ. سعى تركي أن يجد للمرأة مكاناً في جريدة الرياض تتساوى فيه مع الرجل. قاتل حتى وفر جواً مهنياً شريفاً يعمل فيه الرجال والنساء جنباً إلى جنب باحترام. هكذا أصبحت جريدة الرياض الأولى على مدى سنوات طويلة وستبقى بإذن الله وفية لتقاليد الراحل الوطنية والتقدمية.