ياسر الغسلان 

زيارة ترمب للمملكة نهاية هذا الأسبوع تأتي لتأكد الموقف الأميركي باعتبار المملكة هي القوة الإقليمية التي ستعمل معها خلال السنوات المقبلة لوضع حلول جذرية لجميع القضايا التي تتحكم بالظروف السياسية والأمنية والعسكرية في المنطقة، خصوصا فيما يتعلق بالتنمر الإيراني ومحاولة الهيمنة التي تعمل طهران منذ سنوات على تثبيتها كأمر واقع.
هذا الموقف ليس أماني أو تطلعاتنا نحن كأبناء للمنطقة، بل هو الرأي الذي أصبح ينظر له في واشنطن على جميع المستويات السياسية منها والعسكرية والتشريعية وحتى الإعلامية، فأميركا كما سبق أن كتبت أصبحت اليوم تسمي الأمور في المنطقة بمسمياتها، وتنظر للواقع من منطلق المصلحة السياسية التي تعيدها إلى مكانتها العالمية التي فقدتها في حقبة إدارة أوباما، والذي تلعب فيه السعودية دورا محوريا كضامن إقليمي لاستقرار المنطقة العربية من خليجها لمحيطها وكشريك يمكن الاعتماد عليه والتفاهم معه بلغة السياسة والمصالح المتبادلة، بعيدا عن الأيدلوجية الثورية وحكم الملالي والماورائيات.
اختيار المملكة كوجهة أولى لرحلة الرئيس ترمب الخارجية الأولى بعد اختياره رئيسا تأتي كذلك على خلفية المكانة التي تمثلها المملكة في العالم الإسلامي، وكرسالة بأن هذه الإدارة الأميركية لا تعادي الإسلام أو المسلمين كما توصف، وهو الوصف الناتج عن التعليقات والتفسيرات وبعض القرارات التي اتخذها حيال المسلمين وبعض الدول الإسلامية خلال الأشهر الماضية، وهو الموقف الذي يحاول ترمب إثبات عكسه والرجوع عنه.
إلا أن المحاور السياسية التي ربما تسيطر على المحادثات بين الرئيس ترامب والقيادة في المملكة سترتكز على ثلاث نقاط رئيسة سبق وأن كتبت بخصوصها، والتي تؤكدها اليوم العديد من التقارير والتحليلات والتصريحات الصادرة عن أروقة القرار الأميركي، فإيران ستكون هي المحور الأول، خصوصا في الجهود المشتركة في محاربة التمدد الإيراني في المنطقة العربية إلى جانب ملفها النووي الذي تتفق الرياض وواشنطن على أنه من أكبر أخطاء الرئيس السابق أوباما، نظرا لما يشكله من تهديد إقليمي وعالمي، إلى جانب المحور الثاني المتمثل في الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة الأميركية خلال الفترة المقبلة في الحرب ضد الحوثيين، خصوصا مع قيام قيادات في الجيش الأميركي في مارس الماضي بالعمل على وضع خطط لتسريع عمليات الدعم للجهد السعودي في حربه ضد الحوثيين.
أما المحور الثالث فينطلق من كون المملكة تعد الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية في عدد الهجمات الجوية على مواقع داعش وأخواتها، وهو الأمر الذي يضعها في مقدمة الدول المحاربة للإرهاب الدولي الذي أصبح اليوم يشكل خطرا استراتيجيا للعديد من دول المنطقة والعالم، وزيارة ترمب ستعيد التأكيد على الدور السعودي في الجهد الدولي، وتنمية أوجه التعاون والمشاركة العسكرية بين البلدين، خصوصا أن السعودية تقع في قلب المنطقة، إضافة إلى مكانتها السياسية والدينية التي تشكل ثقلا حقيقيا لأي مجهود سيسهم في القضاء على هذا الوباء السرطاني.
لغة المصلحة والمشاركة هي العنوان العريض الذي يشكل هذه الزيارة التاريخية، وربما الأمر الأهم الذي يجعل هذه الزيارة مختلفة عن أي زيارة سابقة لرئيس أميركي هي في كون ترمب يعي بشكل واضح أن السعودية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يمكن لأميركا أن تعقد صفقات واتفاقيات سياسية واقتصادية تتصف بالديمومة والوضوح. فرهان أوباما على إيران أثبت لترمب ما رددته السعودية منذ عقود بأنها دولة لا يمكن الوثوق بها، مهما وقعوا معها من معاهدات أو اتفاقيات، وأن داعش مشكلة عالمية لا يمكن حلها إلا بمجهود دولي وبعزم حقيقي.