أحمد سيد أحمد

تمثل القمة الإسلامية الأمريكية المزمع عقدها فى الرياض تطورا مهما وتحمل العديد من التأثيرات سواء على منقطة الشرق الأوسط وعلى العلاقة بين الغرب والعالمين العربى والإسلامى. وعلى خلاف العرف السائد لعقود, حيث تكون أول زيارة خارجية لرئيس أمريكى إما لكندا والمكسيك أو بريطانيا, فقد اختار ترامب أن تكون السعودية هى أولى محطاته الخارجية التى تشمل إسرائيل والأراضى الفلسطينية والفاتيكان وبروكسل, وهو ما يشير إلى العديد من الدلالات المهمة:

أولا: بدأ أوباما عهده بتوجيه خطاب من جامعة القاهرة لإيصال رسالة للعالمين العربى والإسلامى وتصحيح التشوهات التى أصابت العلاقات الأمريكية معهما نتيجة لسياسة إدارة بوش الابن والمحافظين الجدد بعد حربى أفغانستان والعراق, ومع انتهاء ولاية أوباما وصلت العلاقات الإسلامية الأمريكية لمرحلة متدهورة نتيجة لتصاعد اليمين المتطرف فى الولايات المتحدة وأوروبا وزيادة الخلط بين الإسلام المعتدل والإرهاب, وساهم فى تدهور تلك العلاقات تصاعد التنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيرها, والتى وظفت الدين لأغراض سياسية وكان عاملا فى صعود اليمين المتطرف بشكل غير مسبوق مثل الجبهة الوطنية فى فرنسا, والتى وصلت إلى حد دعوات طرد العرب والمسلمين من أوروبا, بل إن ترامب ذاته خلال حملته الانتخابية خلط بين الإسلام والإرهاب عندما أكد محاربة ما أسماه بالإرهاب الإسلامى, وكانت أول قراراته التنفيذية بعد توليه الرئاسة هو حظر دخول رعايا سبع دول إسلامية للولايات المتحدة فى إطار سياسة العقاب الجماعى والتعميم وهو ما أوقفه القضاء الأمريكى. ولذلك فإن زيارته للسعودية وعقد القمة الإسلامية فيها تمثل تحولا مهما فى سياسة إدارة ترامب وغلبة الواقعية السياسية عليها وتفكيك الاشتباك بين الإسلام المعتدل الذى يعتنقه أكثر من مليار وستمائة مليون نسمة وبين التنظيمات الإرهابية التى لا يزيد عددها على عشرات الآلاف وتشوه صورة الإسلام, كما أن غالبية ضحاياها من المسلمين والعرب وليس من الغرب فقط, ولذلك تعكس القمة حتمية التعايش والتعاون بين الثقافات والأديان والحضارات, لأن الصدام سيكون الجميع خاسرا فيه, حيث تقوم التنظيمات الإرهابية بتوظيفه وتصوير أن هناك حربا غربية على الإسلام. إضافة إلى ذلك اقتناع الإدارة الأمريكية الجديدة بأن محاربة الإرهاب والقضاء على التنظيمات المتطرفة لن يكون إلا من خلال تعاون أمريكى - إسلامى وثيق يقوم على الشراكة الإستراتيجية والعمل مع الدول الإسلامية الكبرى المعتدلة مثل السعودية ومصر فى استئصال ظاهرة الإرهاب من المنطقة حيث ساهمت السعودية عبر قيادتها للتحالف الإسلامى فى انحسار خطر الإرهاب ونجحت مصر فى مواجهة التنظيمات الإرهابية فى سيناء, كما أن مشاركة زعماء 17 دولة إسلامية فى القمة تساعد فى بناء تحالف عالمى جديد لمواجهة الإرهاب الذى يشكل الآن المصدر الأساسى لتهديد السلم والأمن الدوليين, ويتطلب تكثيف التعاون العسكرى والأمنى والاستخباراتى بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية ومحاصرة الفكر المتشدد عبر تقديم خطاب دينى معتدل لسحب البساط من تحت أقدام التنظيمات الإرهابية ومنعها من تجنيد الشباب العربى والإسلامى فى الغرب عبر ظاهرة ما يعرف بالذئاب المنفردة. 

ثانيا: نجاح التحالف الإسلامى الغربى فى مواجهة الإرهاب وتحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط يتطلب ثلاثة أمور, أولها إطفاء النيران المشتعلة فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وتجفيف بيئة الإرهاب عبر تحقيق تسوية سياسية شاملة ودائمة لتلك الأزمات بما بحافظ على وحدة الدولة ومؤسساتها وتستوعب الجميع فى السلطة باستثناء من تلوثت أيديه بالدماء. وثانيها تحجيم التدخل الإيرانى السلبى فى شئون المنطقة وفى العديد من الأزمات العربية من منظور طائفى وأيديولوجى ساهم فى تعقيد تلك الأزمات وإطالة أمدها, وقد بدا مؤخرا أن هناك قناعة لدى الولايات المتحدة بمخاطر الدور الإيرانى وتداعياته. وثالثها تحقيق تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية وفقا لحل الدولتين بما يضمن استعادة الشعب الفلسطينى لحقوقه المشروعة وعلى رأسها إقامة دولية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحق عودة اللاجئين ووقف سياسة الاستيطان والتهويد الإسرائيلية, وهو أمر يتطلب دورا أمريكيا أكثر فاعلية فى تحقيق تلك التسوية خاصة أن ترامب سيزور إسرائيل والفاتيكان فى إطار مساعيه لتحقيق ما يعرف بصفقة القرن. 

ثالثا: تسهم القمة فى إعادة هندسة التفاعلات الإقليمية فيما يتعلق بمسار أزماتها, خاصة فى ظل عودة الدور الأمريكى بقوة للمنطقة بعد سياسة الانسحاب والتردد التى انتهجتها إدارة أوباما وأدت لنمو وصعود أدوار أخرى مثل الدورين الروسى والإيرانى. ورغم أن السياسة الأمريكية لإدارة ترامب تجاه المنطقة تقوم على مفهوم مشاركة الأعباء, إلا أنها تعيد التوازن إلى حالة الخلل التى سادت فى السنوات السابقة, عبر إقامة شراكة إستراتيجية بين أمريكا والدول الإسلامية المفتاحية مثل مصر والسعودية, ويساعد بشكل كبير فى تحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة ومعالجة الأزمات المشتعلة فى بعض دولها. 

نجاح القمة الإسلامية الأمريكية فى تحقيق أهدافها يتطلب أن تخرج بإستراتيجية واضحة ومحددة, وليس مجرد مبادئ عامة, لمعالجة الإشكاليات التى تواجهها المنطقة سواء فيما يتعلق بمواجهة خطر الإرهاب أو شكل النظام الإقليمى وطبيعة العلاقات المستقبلية بين أمريكا والعالم الإسلامى. وحتى لايصبح مصير مبادرة ترامب نفس مصير مبادرة اوباما.