علي القرني

تركي السديري لم يكن مجرد رئيس تحرير، أو رئيس مجلس إدارة هيئة الصحافيين السعوديين أو رئيسًا لاتحاد الصحافة الخليجية، بل تركي السديري هو أكثر من هذه المناصب الإدارية، وهو الرجل الذي يترك بصماته واضحة من أول لقاء به، ومن أول محادثة معه. وهو صاحب قلم ورأي وفكر في مجالات الشأن العام والإعلام والمجتمع. تركي السديري بعد عمر طويل مع الصحافة والإعلام ومع الوطن والمجتمع غادرتنا روحه، ولم يغادرنا اسمه وحضوره.

كنت طالبًا بالمستوى الأول بقسم الإعلام بجامعة الملك سعود عندما التقيت تركي السديري ونحن نعمل في صحيفة رسالة الجامعة التي تصدر عن قسم الإعلام بالجامعة وكانت تطبع بمؤسسة اليمامة الصحافية، في بداية مشوارنا الصحافي ونحن نخطو الخطوة الأولى في مسار الإعلام، ومعايشتنا كطلاب في أجواء صحيفة ذات حضور وطني كبير وبمهنية عالية المستوى كان هو مدرستنا الأولى، وتحديدًا كانت مدرستي الأولى في الصحافة. كان تركي السديري يسألنا وكنا نسأله، نتجاذب الكثير من الحديث معه، وهو يعرفنا على كوادر مهنية بصحيفته، وأعطانا حق التعاون والتدريب في هذه الصحيفة، وعشت أربع سنوات وأنا أتردد على صحيفة الرياض والتقي رئيس تحريرها ومحرريها الذين كثير منهم أصبح رؤساء تحرير ومسؤولي إعلام.

وبعد تخرجي وتعييني معيدًا بقسم الإعلام بجامعة الملك سعود جئت إلى تركي السديري طالبًا منه التعاون مع صحيفة الرياض، فرحب، وكنت متوقعًا أن يوجهني إلى إحدى الوزارات أو الجهات لأكون مندوبًا لها، ولكنه فاجأني كما فاجأ جميع المحررين أن أسند لي رئاسة قسم المحليات بالصحيفة، وكانت هذه مدرسة جديدة تعلمت فيها الكثير، ومنحني فرصة الإشراف والتعاون مع مندوبي ومحرري الصحيفة في الرياض وباقي مناطق المملكة، وهذه الفرصة عرفتني بالكثير من الزملاء والزميلات الذين كانوا يشكلون مصادر قوة الرياض الصحيفة. كما أتاح لي تركي السديري أن أكتب في صفحات (حروف وأفكار) كأصغر كاتب يكتب فيها، وهي من صفحات الرأي التي كانت تتسيد الرأي في الصحافة السعودية.

وموقف لن أنساه مع تركي السديري، عندما جئته مسرورًا وفرحًا بأنني حصلت على قبول من جامعة أمريكية وحان موعد ابتعاثي، فقد كان رافضًا لفكرة مغادرتي صحيفة الرياض، وذكر لي بأنه يريد تعييني مديرًا للتحرير ووقتها لم يكن هنا في الهيكل الإداري لصحيفة الرياض إلا نائبي رئيس تحرير، حيث كانت النية لديه لتعيين مديري تحرير، وذكر لي أن مغريات مادية بالصحيفة ستكون أفضل من رواتب أعضاء هيئة التدريس حتى بعد عودتي. وكان صادقًا في ذلك. وعندما تفاجأت بردة فعله و»عصبيته» المعهودة أحيانًا تراجعت وذكرت له بأنني سأفكر في الموضوع. وعدت إليه مرة أخرى وشرحت له أن لدي رغبة قوية في استكمال دراساتي العليا، وأخيرًا اقتنع وتمنى لي التوفيق، وطالبني أن استمر في كتابة مقالاتي في صفحات حروف وأفكار، وهذا ما حرصت عليه خلال السنتين الأولى من ابتعاثي، كما أنه بعد عودتي من دراساتي بالولايات المتحدة عدت إليه وعانقته بحرارة كاستاذ لي في مدرسة صحافية مميزة كصحيفة الرياض، وذكرت له مازحًا أنني قد قرأت عن إقالته قبل سنوات في صحيفة نيويورك تايمز، وهذا صحيح فقد كتبت صحيفة نيويورك تايمز عن إقالة لرئيس تحرير كبرى الصحف السعودية من وزير الإعلام. والجميع يعرف سبب الإقالة وهو مقال صريح وشفاف عن وزارة الإعلام.

تركي السديري رحمه الله وأسكنه فسيح جناته كان قياديًا بكل معنى الكلمة وهو صاحب حضور كبير على المستوى الرسمي والإعلامي ليس فقط في المملكة بل في العالم العربي، وشخصيته ومكانته فرضت مثل هذا الحضور المؤثر. تتلمذنا على يدي تركي وقلمه وفكره ووعيه الوطني. وسيبقى تركي السديري ذكرى لا تنسى لي ولطلابي فأنا دائمًا ما أشيد بدوره القيادي الكبير مع زملاء له (الاستاذ خالد المالك والدكتور هاشم عبده هاشم) في مسيرة النهوض بصحافتنا الوطنية، وكان لي الشرف أن تعاملت مهنيًا مع هذه القيادات الكبيرة.