كريم عبديان بني

رغم وجود انتخابات برلمانية ورئاسية وبلدية في إيران، فإن ذلك لا يعني أن هذا البلد يمارس الديمقراطية بمفهومها المتعارف، ولكن ما الغرض من وراء تنظيم الانتخابات بين الحين والآخر.

منذ عام 1979 كان الهدف الرئيسي الاستراتيجي إيجاد طريقة لإبقاء ما يطلق عليه «الثورة الإسلامية» مستمرة بأي ثمن كضمان لديمومة نظام انبثق من تلك الثورة التي تم مصادرتها من شعوب قامت بها بغية إسقاط نظام الشاه.

وبهذا أصبح الحفاظ على النظام «الشيعي الأول في التاريخ» وحمايته وحراسته مقابل ظروف معاكسة، من أهم الواجبات الشرعية والسياسية، الأمر الذي كلف إيران والشعوب فيها ثمنًا باهظًا، لا سيما أن هذا الأمر غير قابل للتفاوض وفقا للعقلية الحاكمة.

معلوم أن النظام الإيراني مبني على مبدأ ولاية الفقيه المطلقة التي تتمتع بصلاحيات دستورية تجعل الولي الفقيه أي المرشد الأعلى فوق القانون، إلا أن البلاد بحاجة إلى رئيس يدير السلطة التنفيذية ليمثل الولي الفقيه داخليا وخارجيا.

ومن هذا المنطلق، فإن الانتخابات الرئاسية الإيرانية ينبغي النظر إليها بأن لديها جمهورين أو مخاطبين، الأول داخلي والثاني خارجي، ويمكن أن يوجه النظام خطرين في آن واحد، إلا أن ثمة إدراكا في مؤسسة الحكم بإيران بأن الخطر الداخلي وحده يمكن احتواؤه، ولكن ليس الخطر الخارجي.

وتقوم مؤسسات النظام المختلفة المرتبطة بصناع القرار، كل أربعة أعوام بإجراء دراسات وتحاليل معمقة لتقييم الأخطار الداخلية والخارجية، التي قد يواجهها النظام الإيراني.

لذا، وفقا لتقييم توقعات المجتمع الدولي ومطالبات الشارع الداخلي يتم التعامل مع الانتخابات الرئاسية، وبالتالي يتم تصعيد شخصية سياسية إلى كرسي الرئاسة من بين الشخصيات التي تحمل أفضل المؤهلات للعمل على ديمومة النظام وتجاوز الأخطار المحدقة به، التي يتم تحديدها مسبقا، وهكذا يتم تقسيم السلطة بين التيارات الحاكمة رغم تنافسها.

ومن المؤكد أن إرضاء الجمهور الداخلي لا يحظى بالأولوية القصوى في العقلية التي تحكم النظام الإيراني الذي يزعم أنه يكسب شرعيته من الله، على هذا الأساس يرى نظام ولاية الفقيه أنه يمكن البقاء والاستمرار دون الحاجة لتأييد الجمهور، خاصة أن الجمهور لا يدفع الضرائب وأن النظام يمول مشروعاته من إيرادات النفط والغاز، إلا أن النظام بحاجة إلى الخارج وبالتحديد المجتمع الدولي حيث يعتمد عليه في بيع النفط والغاز واستيراد السلع والأسلحة والخدمات ضمانًا لديمومته.

وعلى هذا الأساس يجتمع كل أربعة أعوام وقبيل الانتخابات الرئاسية، يجتمع الولي الفقيه (المرشد الأعلى) بأعضاء مجلس صيانة الدستور وقادة القوات المسلحة ورئيس البرلمان، وكبار آيات اللهورئيس السلطة القضائية ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وأعضاء بارزين في مجلس خبراء القيادة ورئيس مجلس الأمن القومي، ويستعرض معهم الدراسات والتحليلات بخصوص السنوات الأربع الماضية وجس نبض المجتمع الدولي تجاه النظام، وبالتالي وفقًا لذلك يتم الاتفاق حول رئيس يمكنه استيعاب المجتمع الدولي قبل كل شيء.

هذه العملية أشبه بلعبة «الكراسي الموسيقية» المعروفة. وهكذا يتم اختيار الأفضل لصيانة النظام الإيراني أيضا، وذلك وفقًا للشروط والتحاليل المسبقة، وفي نهاية المطاف يتم تصعيد المخلصوالموالي الذي اتفق عليه الجميع خلف الكواليس، بغية تحقيق أهداف النظام.

وللانتخابات الأخيرة تم اختيار ثلاثة مرشحين من كل تيار، حيث يختلف المرشحون الستة شكلا ويتفقون حول المضمون، وإن خلافاتهم أحيانا تعكس طموحات وآراء متباينة لهم.

وفي هذه الانتخابات هناك تحليل يقول إنه مع رحيل أوباما وانتخاب دونالد ترمب من الأفضل أن ننظر إلى الشرق، وينبغي أن نشهر القبضة الحديدية، ويدعو هذا التحليل إلى أنه ليس من الضروري بيع النفط إلى الولايات المتحدة وحتى الغرب، وعدم استيراد احتياجات البلاد منه. واضح أن رئيسي وقاليباف (انسحب) ومصطفى ميرسليم (انسحب) كانوا يقفون على مسافة ليست ببعيدة عن بعضهم البعض ويمثلون هذا التوجه؛ لذا فإن الخلافات بينهم طفيفة للغاية، حيث إن رئيسي رجل دين وقاليباف من الحرس الثوري
وميرسليم متشدد في لباس مدني.

وثمة تحليل آخر يقول إن العالم ما زال يريد أن يرى في إيران رئيسا أكثر ليبرالية مثل حسن روحاني، ولكن المشكلة الرئيسية أن الشعوب في إيران تعتقد أنه بغض النظر عن توقيع الاتفاق النووي، لم ينجز روحاني أي تغيير اقتصادي يذكر، وأن الوضع المعيشي للفئات الفقيرة لم يتحسن بتاتا، وبالإضافة إلى روحاني، رشح كل من إسحاق جهانجيري نائب الرئيس ومصطفى هاشمي طبا بصفتهما إصلاحيين أيضا، ولكنهما ليسا إلا ديكورين ليبراليين.

وركز مؤيدو روحاني على أنه أعاد إحياء الاقتصاد، حيث ارتفع في العام الماضي معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من ناقص 6 إلى زائد 5. ولكن هذا النمو ليس بسبب التطور الاقتصادي، بل نتيجة لاستئناف إنتاج النفط وبيعه من 700 ألف برميل يوميا إلى 4.5 مليون برميل، وفي واقع الأمر البطالة ارتفعت وأغلق مزيد من المصانع ولم تشهد القطاعات غير النفطية أي تطور ملحوظ، لذلك رشح جهانجيري نفسه بديلا لروحاني في حال فشل الأخير في كسب أصوات الجماهير.

فمن هذا المنطلق يجب على أولئك الذين يتوقعون التغيير في إيران من خلال الانتخابات أن يعرفوا أنه لن يكون لأي مرشح، في حال فوزه في الانتخابات، أي سلطة حقيقية، وسيظل خامنئي بصفته المرشد والزعيم الأعلى للنظام يمسك بيده جميع الشؤون العسكرية والخارجية والوزارات السيادية.

كما أنه ليس من قبيل المصادفة رفض أهلية أحمدي نجاد من قبل مجلس صيانة الدستور الخاضع للمرشد الأعلى، لأن النظام الإيراني يشعر بأن المجتمع الدولي يرفضرئيسا على شاكلته رغم أنه يحظى بشعبية في الحرس الثوري الإيراني.

والآن فإن آلية حشو صناديق الاقتراع باتت سهلة للنظام، حيث نعرف أن 39 مليون ناخب، من أصل 46 مليون كانوا قد صوّتوا في الانتخابات الرئاسية لعام 2009، وهي أعلى نسبة في التاريخ الإيراني، بلغت 85% من المؤهلين للتصويت، وفي انتخابات عام 2013، فاز روحاني بـ18 مليون صوت وحاز قاليباف 6 ملايين، والمرشحون الأربعة الآخرون، جليلي ورضائي وولايتي وغرضي حصدوا ما مجموعه 33 مليون صوت.

وبهذا فإن النظام لديه دراسة دقيقة عن الناخبين المؤهلين ويعرف ما يريده، حيث يمكنه أن يجلب إلى صناديق الاقتراع 26 مليون ناخب من بين منتسبي القوات المسلحة من باسيج إلى حرس ثوري إلى جيش، بالإضافة إلى موظفي الحكومة وأسرهم وعوائل قتلى الحرب العراقية الإيرانية، حيث تبلغ أعدادهم نحو 5 ملايين نسمة وهؤلاء يحصلون على معاشات ومساعدات حكومية.

وعلى ضوء ذلك دعت أحزاب المعارضة بمختلف أطيافها إلى مقاطعة الانتخابات لأن الوضع سيكون في أحسن الأحوال على شاكلة الظروف التي تلت انتخاب حسن روحاني في الدورة الماضية، كما أن النظام بإمكانه الوصول إلى 26 مليون ناخب بسهولة، ليقوم بهندسة النتائج المرجوة لصالح المرشح الذي يرضي المجتمع الدولي، وفقا لأحدث التحاليل، فهذا هو المضمون الحقيقي للانتخابات الإيرانية التي هي بعيدة كل البعد عن الانتخابات الحرة والنزيهة في الدول الديمقراطية.