الياس حرفوش

يلخص شعار «العزم يجمعنا»، الذي ارتفع على يافطات الترحيب بالرئيس دونالد ترامب في الرياض، النظرة السعودية إلى ما هو مأمول من لقاء ترامب مع الملك سلمان بن عبدالعزيز وقادة منطقة الخليج والدول العربية والإسلامية الذين سيجتمعون بالرئيس الأميركي خلال زيارته الخارجية الأولى التي خصّ بها المملكة العربية السعودية.

العزم المأمول من هذه الزيارة هو على جبهتين: في مواجهة موجات التطرف والعنف التي تنتشر في المنطقة العربية، والعمليات الإرهابية التي تحصد ضحايا في مختلف مدن العالم. كما في مواجهة إيران ونشاطاتها وتدخلاتها في عدد من دول الخليج وفي سائر الدول العربية، حتى صارت هذه الاختراقات الإيرانية سبباً مباشراً يتخذه المتطرفون ذريعة للتحريض المذهبي، الذي أنجب ما صار معروفاً بـ «التطرف السني»، كردّ مباشر على سياسات «تصدير الثورة» التي تنفذها إيران، والتي تتمثل في الميليشيات الطائفية التي تموّلها وتسلّحها وتديرها في مختلف دول المنطقة، التي بات عدد من أنظمتها رهينة في يد السياسات والمصالح الإيرانية، مثلما هي الحال في العراق وسورية ولبنان، ومثلما يحاول الإيرانيون في اليمن من خلال انقلابهم على الشرعية هناك بالتعاون مع حركة الحوثيين.

في المواجهة مع الإرهاب ومع التدخلات الإيرانية، تجد السعودية ودول الخليج والدول الإسلامية عموماً في الإدارة الأميركية الحالية شريكاً صالحاً ومستعداً لفهم الهواجس والتجاوب معها. وفي هذا، تمثل مواقف ترامب من موضوعي الإرهاب وإيران انقلاباً على المواقف التي سمعها وخبرها السعوديون والعرب من إدارة باراك أوباما. ففيما كان أوباما يلقي مسؤولية التطرف الموصوف بـ «السنّي» على الدول العربية وعلى ثقافات مجتمعاتها، وفيما كان مستعداً للتغاضي عن تدخلات إيران في مقابل جلوسها معه الى طاولة التفاهمات والصفقات التي أنتجت الاتفاق النووي، تجد الدول العربية والإسلامية أن دونالد ترامب مستعد للاستماع وللتمييز بين الإسلام وتعاليمه وبين تيارات وتنظيمات متطرفة تشوّه تعاليم هذا الدين وتستغلها على طريقتها للعثور على مبررات لأعمالها الإرهابية.

فضلاً عن ذلك، أثبت ترامب حتى الآن، وعلى رغم الزمن القصير الذي انقضى على توليه الرئاسة، جدية وحزماً في مواجهة كل من «القاعدة» و «داعش»، وتمثل ذلك في ضربات أميركية ضد مواقع التنظيمين في أفغانستان والعراق وسورية، فضلاً عن موقفه المتشدد حيال جرائم النظام السوري، وكذلك مطالبته بإلزام إيران بالتطبيق الحرفي لبنود اتفاقها مع الغرب، واستعداد إدارته لمحاسبتها على أي خرق لتلك البنود.

كان شعار مواجهة الحركات الإرهابية المتمثلة في تنظيمي «القاعدة» و «داعش» أحد شعارات الحملة الانتخابية لدونالد ترامب. وفي أكثر من مناسبة، شدد على ضرورة القضاء على هذا المرض المتفشي، الذي يستغل الدين ويشوّه مقاصده، وينشر الإرهاب في المنطقة العربية وفي أماكن مختلفة من العالم. ولم تعد الحاجة الى استئصال هذا الداء ضرورة أميركية وغربية فقط، بل هي قبل ذلك ضرورة عربية وإسلامية، طالما أن هؤلاء الإرهابيين يشوّهون بالدرجة الأولى، من طريق الجرائم التي يرتكبونها والتي تحصد أرواح الأبرياء، من مختلف الأديان، صورة الدين الإسلامي.

وقد بادرت السعودية الى مواجهة هذا المدّ الإرهابي، من خلال خطط أمنية وسياسية وفكرية، وجدت في المناصحة فرصة لتصحيح المفاهيم وغسل الأدمغة التي تشوهت بفعل الأفكار الخاطئة. كما ساهمت في شكل فعال في التحالف الدولي الذي يحارب «القاعدة» و «داعش».

تمثل القمم الثلاث التي تشهدها السعودية فرصة لتأكيد الإجماع العربي والإسلامي على محاربة التطرف بكل وجوهه، وعلى أهمية تعزيز ثقافة الحوار والانفتاح على مختلف الأديان والثقافات بعيداً عن الغلوّ وعن إغلاق الأبواب والنوافذ في وجه الأفكار القادمة من الخارج. بهذين الحوار والانفتاح، يستطيع العالم العربي والإسلامي في شكل عام القضاء على الأفكار الهدامة التي يمكن أن تنمو في مجتمعاته. ذلك أن شيطنة الآخر هي أقصر الطرق الى تبرير المواجهة معه وصولاً الى القضاء عليه، وهو ما بات يمثل «فكر» الإرهابيين الذين توفر قمم الرياض فرصة لوحدة الصف في مواجهتهم.