علي سعد الموسى

من الواضح تماماً، في صلب وهوامش الزيارة الرئاسية الأميركية التاريخية، أن الرياض قد طرقت أبواب «ترمب تاور» في نيويورك منذ ليلة الثامن من نوفمبر حال إعلان فوزه المثير، لا بعد الحادي والعشرين من يناير ليلة دخوله البيت الأبيض. لم يعد مفاجئاً الآن أن دونالد ترمب اختار العاهل السعودي كثاني زعيم في العالم للاتصال به في النهار التالي لفوزه بالرئاسة. حجم الاتفاقيات الموقعة ما قبل الأمس، وكما قال أحد المحللين الاقتصاديين الأميركيين كان يحتاج على الأقل لأربعة أشهر أو خمسة للدراسة القانونية أمام عشرات المحامين من الطرفين
ومن المداولات والمشاورات المكثفة ما بين الإدارتين السعودية والأميركية، وأيضاً ما بين شراكات القطاع الخاص في البلدين. وبرأي هذا المحلل، فإن المؤسسة السياسية في السعودية استطاعت تحقيق هذا النجاح الاستثنائي في استقطاب واشنطن لتجعل من الرياض خيارها الأول والأساسي، رغم أن لأميركا كدولة عظمى عشرات ملفات الاختيار مسبقاً على الطاولة.
استطاعت السعودية إقناع «ترامب تاور» والبيت الأبيض في مرحلتين متعاقبتين من الزمن بأن السعودية، وحتى بالجغرافيا، لوحدها تأتي في قلب الدائرة المركزية ومن حولها دوائر منظومات الخليج والعرب والعالم الإسلامي، بل حتى في قلب دائرة الكرة الأرضية. ومن وجهة نظري فإن نجاح الرياض لا يكمن فقط في إقناع واستقطاب دولة مثل الولايات المتحدة التي ستبقى 
دولة براجماتية تنظر إلى مصالحها العليا بعقل، ولكن يبقى نجاح الرياض المختلف هو في إقناع ما يزيد عن خمسين زعيماً عربياً وإسلامياً بأن تكون الرياض هي القائد وقلب النواة في منطقة عرفت سياساتها بالانقسامات الحادة وتجاذب الأقطاب والقطبية.
بقي أن أكتب أن البعض، وهم كثر، سيقولون إن الحدث العالمي بالضربة القاضية التي نجحت فيها الرياض هو
من باب شراء السياسة بقوة ونفوذ المال. أنا لا أجد أدنى حرج في أن أقول إن الاقتصاد العملاق هو سلاحنا الناعم الذي سنستخدمه من الباب المفتوح بعد اليوم. حتى إسرائيل حاولت أن تكون المحطة الأولى لترمب وهذه حقيقة مكشوفة. نحن الدولة الأولى في هذا المحيط التي دخلت نادي العشرين، وبهذه الاتفاقيات الضخمة سندخل نادي العشر الأول. بالقوة الاقتصادية وسلاحها الناعم كان وسيبقى «اللوبي» السعودي هو الأكثر نفوذاً في دهاليز واشنطن حتى بشكوى واعتراف «الإيباك» اليهودي، الذي تلقى بهذه الزيارة وهذا الحشد الهائل أكبر صفعة في تاريخه. هذا الاستعراض السعودي الهائل للقوة هو أقوى موجة شحن تلقاها اقتصادنا الداخلي الذي أظن أنه وجه لكل العالم وأيضاً للداخل أكبر رسالة في تاريخه.