سعد بن عبدالقادر القويعي

استطيع القول: إن وثيقة حماس الجديدة، التي لم تشر إلى علاقتها الفكرية، والسياقات الدعوية بجماعة الإخوان المسلمين التي تولدت منها الحركة، بدأت من حيث بدأت به منظمة التحرير الفلسطينية - قبل أكثر من أربعين عامًا -، عندما أقرت في عام 1974 برنامجًا أسمته حينها بـ"البرنامج المرحلي" بمبادرة من الجبهة الديمقراطية، الذي ينص على قبول منظمة التحرير مبدأ إقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، واعتبار الصراع مع إسرائيل صراعًا سياسيًا لا دينيًا؛ الأمر الذي جعل من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أن تعلن تحفظها على ما ورد في وثيقة المبادئ، والسياسات العامة لحركة المقاومة الإسلامية حماس؛ معتبرة أن: "القبول بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 يمس بالثوابت"؛ حتى اعتبر زياد نخالة - نائب الأمين العام لحركة الجهاد -، أن: "ما جاء في الوثيقة حول الدولة الفلسطينية"، يعيد إنتاج المتاهة التي أدخلنا بها البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير، وأن صيغتها "تمس بمشاعر رفقاء السلاح"، إلى أن قال: "كنا نتمنى أن نتوجه لهم بالتهنئة على هذه الوثيقة المهمة؛ لكننا بصراحة، ومن باب المناصحة، لا نشعر بارتياح تجاه بعض ما جاء فيها، إِذ من حيث الموقف السياسي، فالوثيقة فيها تطور، وتقدم؛ لكن على الطريق المسدود، طريق البحث عن حلول، وأنصاف حلول للقضية الفلسطينية، تحت مظلة ما يسمى الشرعية الدولية".

بهذا المعنى، يمكن فهم الوثيقة على أنها نتاج تفاعل بين الأفكار، والأحداث، بين الرؤى، والتطورات، بين الهوية، والاضطرارات، وهي جدلية قديمة متجددة لم، ولن تنجو منها أي حركة سياسية، كما يقول الاستاذ سعيد الحاج، الذي يؤكد على ثمة أربعة فوارق مهمة بين الميثاق، والوثيقة في المضمون، الأول: التأكيد على فلسطينية الحركة، وبالتالي الابتعاد ضمنًا عن إشارة الميثاق؛ لعلاقتها التنظيمية، والعضوية مع جماعة الإخوان المسلمين، رغم تأكيد مشعل خلال حديثه عن جذور حركته الفكرية، وأن ذلك ليس تنصلاً من الإخوان في أزمتهم. الفارق الثاني: هو توصيف الصراع مع الحركة الصهيونية، وليس مع اليهود؛ ولعل هذه الإشارة في الميثاق من أهم المواد التي لطالما سببت لحماس إزعاجًا، وضغوطًا، وأغلقت أمامها الكثير من الأبواب. هذا التغير المُحق، والضروري أردفَ -أيضًا- بصياغات مساندة، مثل: رفض العداء للسامية، والظلم، والتمييز. التغيير الثالث: يتمحور حول العلاقة مع الآخر الفلسطيني، أو لنقل العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية، حيث هناك إشارة واضحة للقبول بمنظمة التحرير كـ"إطار وطني" تسعى الحركة للانضمام له بعد إصلاحه، وتأكيد على التعددية، والحوار، والشراكة، والخيار الديمقراطي كوسائل لإدارة هذه العلاقات.

ومن اللافت أن التوصيف أتى دون "ال" التعريف، بما يزيل عن المنظمة حصرية الأطر الوطنية، في تناغم مع عدم نص الوثيقة، على أنها: "الممثل الشرعي، والوحيد للشعب الفلسطيني". التغيير الرابع: والأهم، والأكثر جدلاً، كان إشارة الوثيقة لفكرة "دولة على أراضي عام 1967"؛ باعتبارها تمثل "صيغة توافقية وطنية مشتركة".

في المحصلة النهائية للجديد في الفكر السياسي لحركة حماس، فإن الوثيقة الجديدة يُمكن الخروج بها من حالة الحرج الفكري، والسياسي، والعقدي إلى القبول بالتفاوض حول عديد من الملفات الداخلية، والإقليمية، والدولية، وذلك ضمن خريطة التوازنات الجديدة، وفي سياق الخطة الجيوستراتيجية لدول المنطقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ففي الرؤية العامة تضع الأسس، والمبادئ العامة لحل الدولة الواحدة على خلفية المشهد الإسلامي المعاصر الذي تنتسب إليه حركات، وجماعات متعددة، الذي يصفها البعض بـ"تنازلات الوقت الضائع".

بقي أن يقال: إذا كان قبول حماس لإقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 67 كصيغه توافقية، وتطبيق القانون الدولي هو تمامًا الموقف الذي خرجت فيه كافة الفصائل في عام 1988، ولم يكن ذلك موقفًا لحركة فتح، وإنما موقف توافقي لكافة الفصائل، فإن من حق - المتحدث الرسمي باسم حركة فتح - أسامهة القواسمي، أن يتساءل عمّا إذا كانت حماس قد احتاجت ثلاثين عامًا لتخرج علينا بذات مواقفنا، فكم من الوقت ستحتاج لأن تفهم أن الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام أفضل للشعب الفلسطيني؟، وما هو المبرر الذي ستسوقه حماس للشارع الفلسطيني - اليوم - لاستمرار الانقلاب، والانقسام؟.