عبدالله بن بجاد العتيبي

السعودية هي دولة عربية حديثة أنشأها المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، وتوالى على عرشها ملوك من أبنائه، أدى كل منهم دوره في لحظته التاريخية وظروفه المحيطة، وقادوا سفينة الدولة للاستقرار والازدهار ومواجهة التحديات كلٌ بحسبه.

بعد معارك التوحيد والوحدة، وبين صراعات التاريخ والجغرافيا تجلّت دولةً كبرى ذات سيادةٍ وذات قوةٍ وتأثيرٍ، ولها مكانتها المهمة والمؤثرة على كل الأصعدة، داخلياً بتماسكها واستقرارها واستمراريتها، وإقليمياً بثقلها وحكمتها وقوتها، ودولياً بصواب الرؤية وقوة التحالفات، وكان بطبيعة الحال لكل لحظةٍ تاريخية موازناتها ومعادلاتها المختلفة والمتغيرة، ولكن الوعي القائد والقرار الحاسم كان ناجحاً على الدوام.

وبعيداً عن سرد التاريخ وتفاصيله، وشرح معادلاته وموازناته، ولماذا اختارت الدولة السعودية ألا تستخدم قوتها وألا توظف إمكاناتها إلا بالمستوى الأدنى الحقيقي لها فقد قرر العاهل السعودي الملك سلمان والقيادات الشابة التي اختارها والممثلة في المحمدين، محمد بن نايف ومحمد بن سلمان أن يظهر من أول يومٍ شيئاً من مكانة السعودية وقوتها وأثرها، لا كل المكانة ولا كل القوة بل شيئاً يجبر الخصوم على معرفة الفرق، ويدفع الحلفاء لرؤية أفضل.

الجدل طويل في معاني القوة، وقوة الدولة تحديداً، فقوة السياسة ليست في الكبرياء بل في العقل، وقوة الدبلوماسية ليست في التبجح بل في الحكمة، والقائد العاقل الحكيم ليس كالقائد المتكبر المتبجح، وتكفي مقارنةٌ بسيطةٌ بين الدول الكبرى في المنطقة لاكتشاف أعقل اللاعبين وأكثرهم حكمةً وفطنةً ووعياً.

وبعيداً عن التشابكات والتعقيدات في الملفات الكبرى في المنطقة فقد بدأت تظهر بجلاء مكانة الدولة الأكثر تأثيراً وأبلغ أثراً، الدولة الداعمة لاستقرار العالم لا لاستقرار الفوضى، الدولة الداعمة للسلام والأمن لا للخراب والإرهاب، الدولة التي تستخدم مقومات قوتها وتوظفها التوظيف الصحيح وتستبق الأحداث وتستشرف المستقبل، وتمشي مع توجه التاريخ لا عكسه كما يفعل الخصوم.

انعقدت في الرياض ثلاث قمم سيكون لها بالغ الأثر في المستقبل القريب والبعيد، القمة السعودية- الأميركية والقمة الخليجية- الأميركية والقمة العربية الإسلامية- الأميركية، والرياض المبتهجة بالضيف الكبير الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اختار السعودية كأول زيارة خارجية، له إنما أبان عن رغبةٍ حقيقيةٍ وواقعية في إعادة بناء تحالفات أميركا مع دول الخليج كأهم الحلفاء وبناء تفاهماتٍ مستقبلية، تعزز الشراكة وترسخ التحالف القديم وتمنحه أفقاً أرحب.

يعرف ترامب شخصياً في القمة الخليجية قائدين هما الأمير محمد بن سلمان وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، فهو قد اجتمع بكل منهما على حدة قبل هذه القمة، وبالتالي فهو يعرف توجهات الحليفين الأقوى في المنطقة السعودية والإمارات، ويعلم جيداً كيف أن تطوير العلاقات مع دول الخليج العربي، يعني استعادة الاستقرار والسلام ونشر التعايش والتسامح ومحاربة التطرف، الذي يمثل الخطوة الأهم في محاربة الإرهاب.

سعودياً فخليجياً فعربياً وإسلامياً، هذا هو ترتيب الأولويات الجديدة في المنطقة للسنوات القادمة ضمن الاستراتيجية الجديدة، التي ستعقب هذه القمم الثلاث، وبقدر ما فرحت شعوب الخليج بهذه الزيارة التاريخية بقدر ما استاء منها النظام الإيراني، الذي لم يعر أحد نتائج انتخاباته أي اهتمام، وقد استاء معها أتباعها دون شكٍ من ميليشيات الإرهاب الشيعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كما استاءت جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين"، والدول الداعمة لها في المنطقة، وعبرت عن ذلك كل وسائل الإعلام التابعة لها، وعلى رأسها قناة "الجزيرة"، التي عادت أدراجها لخدمة الجماعة ومحاولة تفريق الصف الخليجي والعربي، خدمةً لهذه الجماعة المصنفة إرهابيةً في الإمارات والسعودية ومصر. وستستاء أكثر تنظيمات العنف الديني الصريحة كتنظيم "القاعدة" وتنظيم "داعش"، فلقاء أكثر من 50 دولة مسلمة حول العالم أمرٌ يثير غيظ كل الإرهابيين والمتطرفين.