محمد صلاح

رسّخت مذبحة نفذها مسلحون بحق عشرات المسيحيين في الظهير الصحراوي الغربي في المنيا جنوب القاهرة خلال رحلة دينية صباح أمس، أولوية مجابهة التهديد الأمني لمصر من الجهة الغربية بفعل الأوضاع غير المستقرة في ليبيا، وتمكّنت خلايا إرهابية تابعة لتنظيم «داعش» من أن تجد موطئ قدم في صحراء مصر الغربية، وفتح خطوط اتصال مع أفرع التنظيم في ليبيا لمد أذرعه في غرب مصر بالسلاح والمال.

وقتل مسلحون ملثمون عشرات المسيحيين، بينهم أطفال، في صحراء المنيا في منطقة ليست بعيدة من مسرح هجمات سابقة نفذها «داعش». وهاجمت 3 سيارات دفع رباعي يستقلها ملثمون مدججون بالأسلحة النارية يرتدون ملابس شبه عسكرية، حافلتين ترافقهما سيارة نقل صغيرة، كانتا تُقلان عشرات المسيحيين من سكان محافظة بني سويف متوجهين إلى دير «الأنبا صموئيل» في صحراء المنيا، وأمطروهم بالرصاص، بعد التأكد من هويتهم، واستولوا على مصوغات ذهبية كانت في حوزة النساء، ما خلّف 28 قتيلاً حسب وزراة الصحة حتى مساء أمس. وقال مصابون نجوا من الهجوم إن المسلحين كانوا يرفعون أعلام «داعش».

وصرح أسقف مطرانية مغاغة والعدوة الأنبا أغاثون بأن إحدى الحافلتين كانت تقل أطفالاً في رحلة إلى الدير. وكان مستشار لوزارة الصحة أبلغ قناة النيل الإخبارية بأن هناك عدداً كبيراً من الأطفال بين الضحايا.

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها حتى مساء أمس عن الهجوم الدامي، لكنه يحمل بصمات «داعش». ويمثل الهجوم استمراراً لموجة استهداف المسيحيين التي انطلقت بعد توعد التنظيم الارهابي أقباط مصر بالقتل، وبدأها من العريش حيث قتل 8 مسيحيين، وشن 3 هجمات انتحارية استهدفت كنائس كبرى تُعد رمزاً للمسيحية في محافظات عدة. فبعدما شددت قوات الأمن إجراءات تأمين الكنائس وأقرت إجراءات أمنية استثنائية دائمة في محيطها، لجأ التنظيم المتطرف إلى استهداف خط سير معروف لرحلات دينية تُقل مسيحيين من محافظات في وادي النيل لزيارة دير الأبنا صموئيل.

ورجحت مصادر أمنية مسؤولية خلية لـ «داعش» كانت استهدفت مكمناً على الطريق الصحراوي الغربي ونفذت الهجمات الانتحارية ضد الكنائس، عن هجوم المنيا. وأوضحت أن أجهزة الأمن تُرجح أن منفذي الهجوم قدموا من ليبيا أو على الأقل تلقوا دعماً لوجستياً من متطرفين فيها عبر إحدى المدقات الجبلية التي تربط محافظتي المنيا والفيوم بالصحراء الغربية ومن ثم الصحراء الليبية.

وكان النائب العام المستشار نبيل صادق أمر مطلع الأسبوع الماضي بإحالة 48 عضوا في الخلية على القضاء العسكري. وكشفت التحقيقات أن أعضاء فيها تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات تابعة لـ «داعش» في ليبيا وسورية، وهي اعتمدت على تمويل مالي وأسلحة نارية ومدافع وقذائف صاروخية تم تهريبها عبر الحدود الغربية للبلاد بواسطة أعضاء من جماعة «ولاية طرابلس» في ليبيا.

وترأس الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس اجتماعاً لمجلس أمني مُصغر لبحث تداعيات الهجوم. وقالت رئاسة الجمهورية إن الرئيس يتابع الموقف الأمني في البلاد عن كثب.

وفي إطار ردود الفعل المحلية، أعربت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في بيان «عن أملها في اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تفادي خطر هذه الحوادث التي تشوه صورة مصر، وتتسبب في آلام العديد من المصريين». وألغت دار الإفتاء احتفالاً كان مقرراً مساء أمس لاستطلاع هلال شهر رمضان، واستنكر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الاعتداء «الذي لا يرضى عنه مسلم ولا مسيحي»، فيما دان مفتي الجمهورية شوقي علام بشدة «العملية الإرهابية الخسيسة».

ودانت المملكة العربية السعودية الهجوم بأشد العبارات، وجددت تضامن المملكة ووقوفها إلى جانب مصر، وهو الموقف الذي عبرت عنه أيضاً دولة الإمارات المتحدة والكويت والبحرين والعراق. ولوحظ أنه لم يصدر عن قطر أي موقف.

كما دان الهجوم الأردن والرئيس محمود عباس ووالرئيس اللبناني ميشال عون الذي اعتبره «محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في مصر ولإثارة النعرات الطائفية وضرب نسيج المجتمع». وكان لافتاً تنديد حركة «حماس» بـ «الجريمة البشعة والمدانة بشدة».

دولياً، دان مجلس الأمن «الاعتداء الإرهابي الجبان»، مشدداً على ضرورة إحالة مرتكبيه ومنظميه ومموليه الى العدالة. كما دان الرئيس فلاديمر بوتين الهجوم الذي يدل مجدداً على الطابع الهمجي وغير الإنساني للإرهاب، مشدداً على ضرورة منع إفلات منفذيه ومدبريه من العقاب. واستنكرت فرنسا بأشد العبارات الهجوم، فيما دانه السفير البريطاني في القاهرة جون كاسن.