يحيى الأمير

في العقد الثالث من عمره، يتطلع شاب قطري أنيق إلى شاشة هاتفه المحمول ليل الثلاثاء ويوم الأربعاء الماضي يتابع ذلك الحزن الخليجي العام على مواقف وتصريحات سياسية منسوبة لبلاده، يزداد حزنه وضجره وهو يرى تلك المواقف السياسية لبلاده تسيء للرياض التي قدم منها قبل أسابيع والبحرين التي يحتفظ فيها بصداقات واسعة والإمارات التي يخطط مع عائلته لقضاء العيد بها.

إنها ليست تصريحات موجهة ضد السويد أو كندا أو فنزويلا بل موجهة للأشقاء الذين ربما تتقاسم أسرة ذلك الشاب نسبا وقرابة مع بعض أفراد عائلته السعوديين أو غيرهم من الخليجيين.

تعود الذاكرة بذلك الشاب إلى الأعوام من ٢٠١١ إلى ٢٠١٣ حين كان يسمع من وسائل الإعلام في الرياض وفي أبو ظبي وفي البحرين وفي الكويت وفي مصر وفي غيرها من بلدان المنطقة رفضا لما تقوم به قناة الجزيرة من عربدة سياسية في الشوارع العربية وتبنٍ مطلق لأحداث الفوضى التي شهدتها كثير من العواصم العربية، كان باستطاعته أن يفسر ذلك أنه موقف من القناة لا من سياسة بلاده، لكن ذاكرته ما تلبث أن تمتد للعام ٢٠١٤ وفِي شهر مارس من تلك السنة حين قامت المملكة والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من الدوحة. يا له من حدث كبير وملفت ولا يمكن أن يغادر ذاكرته بسهولة، لم يتمكن من إقناع ذاته أن ما حدث مجرد عدوان على بلاده، لن يجد أي تفسير يمكن أن يدعم به البراءة التي يريدها لبلاده خصوصا أن هذا الموقف جاء من ثلاثة بلدان خليجية على رأسها المملكة حيث أبناء عمومته وأشقاؤه ولا يعرف كيف يفسر شبه الإجماع الخليجي على ذلك الموقف. حتى لو طافت بذهنه عبارات مثل: حدث ذلك لأن بلادي تدعم الثورات والمظلومين وتدافع عن القضية الفلسطينية، إلا أنها لم تكن مقنعة له، فهل يعني ذلك أن السعودية والإمارات والبحرين لا تقف مع قضايا المنطقة ولا تهتم بالقضية الفلسطينية؟ يعمد إلى التشبث بهذا الرأي لعله يجد فيه ما يدعم لديه موقفا يخرجه من حالة التيه وهو يطالع مواقف بلاده السياسية ضد أشقائها في المملكة والخليج الذين يعتبرهم أهله وأشقاءه أيضا..

يمده محرك البحث جوجل حين يبحث فيه عن مواقف بلاده من القضية الفلسطينية بأول النتائج وهي عبارة عن صورة شهيرة للرئيس الإسرائيلي وهو في زيارة للدوحة مصافحا سمو أمير البلاد ووزير الخارجية السابقين العام ١٩٩٦ وكيف حضر لعاصمة بلاده ليفتتح مكتب التمثيل الإسرائيلي في الدوحة ويوقع اتفاقية بيع الغاز القطري لتل أبيب، كان هذا الشاب آنذاك دون العشرين مِن عمره، يغلق هذه الصفحة ليحاول أن يجد تفسيرا لما يحدث وللسؤال المؤلم بالنسبة له: لماذا علاقاتنا مع أشقائنا ليست على ما يرام بينما علاقاتهم جميعا في أفضل حال وأقوى ترابط، ماذا فعلنا نحن أو ماذا فعلوا هم؟

اقتراحات البحث في الصفحة السابقة لفتت نظره قبل أن يغادر الصفحة إلى عناوين مقترحة مثل: مكالمة مسربة لأمير قطر والقذافي، المخطط القطري الليبي..

سمع عن هذه التسريبات سابقا لكنه لم يهتم بها كثيرا، قرر فتح كل تلك التسجيلات والاستماع إليها؛ يا لها من صدمة كبرى، هو في ذاته وهو ووالده وعائلته وأصدقاؤه لا يحملون أي جزء من تلك الضغائن التي في التسجيلات المسربة، يتملكه القلق وهو يتخيل ماذا لو أن تلك الفوضى التي كان يتم الاتفاق عليها في تلك التسجيلات تمت بالفعل؟ ما مصير أهله وأقاربه وأبناء عمومته في الرياض أو القصيم أو المنطقة الشرقية؟ هو حقا لا يريد لهم أي أذى ولا يأمل بوقوع أي شر لهم فكيف يمكن أن يتفهم هذه المواقف السياسية لبلاده. يدرك في قرارة نفسه أن كل تلك المخططات لم يكتب النجاح لأي منها وأن تغييرا واحدا في مصر لم يحدث مع كل مواقف بلاده السياسية وأن ما يسمعه عن علاقة بلاده بجماعة الإخوان المسلمين لا يمثل بالنسبة له إلا أمرا غير مفهوم ولم يضف شيئا له ولا لأبناء جيله، يدرك أنه يعتز بخليجه ويرى في نظام إيران شرا مطلقا مثله مثل بقية الشباب الخليجي.

يأخذ ذلك الشاب سيارته متجولا في شوارع الدوحة الأنيقة.. تقطع عليه تفكيره لوحة المباني: المركز الثقافي الإيراني، شبكة قنوات الجزيرة.

يتوقف فاتحا هاتفه المحمول ليبحث مبكرا عن فندق ورحلة لقضاء إجازة العيد بين أصدقائه في دبي بينما يخطط والده لقضاء تلك الإجازة لدى أقاربه في السعودية.

يطمئن أن عمقه ومستقبله هناك وقطعا ليس في أي مبنى من المبنيين السابقين اللذين عبر بهما قبل قليل ولا في تلك التصريحات، يواصل النظر في هاتفه وهو يتابع الطرائف التي يرسلها أصدقاؤه في الدردشات الجماعية عن الاختراق.