علي سعد الموسى

في نهاية الحوار الطويل، يقذف صاحبي في وجهي سؤال القلق المجلجل المخيف: كيف تتوقع أن يكون العالم العربي بعد عشر سنوات من اليوم؟ وهل ستنتهي هذه الحروب ويعود سكان العرب إلى بيوتهم على الأقل بنعمة الأمن؟ يقول السؤال ونحن بالكاد انتهينا من نشرة أخبار كارثية لا تكاد فيها أن تجمع أرقام القتلى في المدن العربية في الساعات الأربع الأخيرة.

نحن لا نملك في الإجابة عن السؤال سوى الاستعانة بضاربي الودع واستشارة قارئات الكف والفنجان، مثلما هم العرب ولوحدهم من بين كل سكان الدنيا الذين يستشرفون المستقبل بالتنجيم وتمائم السحر والشعوذة. وقطعا ستنتهي حروب العرب الأهلية الحالية الطاحنة في ظرف عقد من الزمن، لأن هذا من طبائع حروب الفقراء حين ينهار التمويل والتموين. لكن وقود الحرب وجذوة نيرانها سيظلان «متلازمة جين عربي» منذ أزل التاريخ حتى اليوم. يولد العربي وفي جوفه قنبلة وعلى لسانه رصاصة. العربي الذي يحلم اليوم بالعودة إلى ما كان عليه قبل ست سنوات هو ذات أحلام العربي نفسه قبل 600 سنة.
هذا عالم يعيش على جناحي عفريت. قبل ما يقرب من عقد من الزمن، حضرت مؤتمر مؤسسة الفكر العربي ببيروت، حيث اجتمع ألمع خبراء الاجتماع والاقتصاد ليحاضروا عن رؤية مستقبلية لهذا العالم العربي. أتذكر العملاق الراحل محمد عابد الجابري وهو يلقي بشارته عن أجيال عربية حديثة تريد النهضة وترفض الحروب والجهل والفقر. كان الجابري في محاضرته الشهيرة آنذاك يراهن على أن الجيل الوليد سيلد من رحم ثورة العصر المعلوماتية التي ستجعل من شاب في مقهى مغاربي على انفتاح وتواصل مع أميركي في مصنع. كذبة القرية الكونية الخالدة. لم يمهل الموت محمد الجابري بضع سنوات ليرى خراج بشارته وثمار رهانه. نحن الأمة الوحيدة التي لم تر في ثورة الاتصال بأكثر من تطويع لنقل أفكار التنظيمات الإرهابية. الجيل الذي تحدث عنه الجابري هو نفسه الذي تفاخر به داعش على أن متوسط عمر أبطاله في الثانية والعشرين، فترد عليه النصرة بأن شبابها أقل من ذلك بسنة. وسنكذب على أنفسنا إن قلنا إن هؤلاء فئام نشاز لا وزن لهم في لحمة هذه الأمة الواسعة. نحن نردد هذا القول منذ بدء الإرهاب العربي الحقيقي قبل ثلاثين سنة، فلا زالوا يتكاثرون ويلدون. يقبض الأمن في كل دولة على فرد منهم فيتضح له أنه مجرد ذئب طارف من خلية سرية واسعة. ومثل نمو السكان، كذلك خلايا الإرهاب. نسبة مئوية سنوية ثابتة. هذا ما سنكون عليه بعد سنوات عشر.