مشاري الذايدي

سنخرج هنا قليلاً عن سياق المقالتين السابقتين، لكن ليس بعيدًا، فما زلنا في حديث الشخصيات المشكلة. لكن شخصيتنا اليوم، معاصرة، لقيت حتفها قريبًا، قبل أيام قليلة، بغارة، على مدينة الرقة، قاعدة الخلافة الوهمية، لإبراهيم عواد البدري، الملقب بأبي بكر البغدادي.

نتحدث عن شاب بحريني من أسرة معروفة، أسرة «البنعلي»، أو «بن علي»، وهو الشاب تركي، الذي قتل عن 34 عامًا.

من أبناء «المحّرق» العريقة، تلقى علومه الابتدائية والثانوية في البحرين، وتلقى علومًا جامعية في الشارقة وبيروت، في التخصصات الدينية، وكان شابًا نزقًا، مثيرًا للمشكلات، يعني بعبارة أكثر مباشرة؛ كان منذ نشأته من «الغلاة» الذين تبرمجت ذبذبات أدمغتهم على بوصلة التزمت والهيجان.

من الواضح أنه كان لدى تركي كثير من الطموحات العالية التي لا تشفع لها القدرات، وتودي بصاحبها في الهلكات.

هنا مسألة مهمة، بحثت من قبل في تاريخ الخوارج في فجر الإسلام، وهي أن هذه الجماعات الثائرة، الهادمة لكل التقاليد، المكفرة للجميع، تتيح للطامحين الخطرين طريقًا سريعًا للزعامة بدل الانتظار في طابور التأهيل الاجتماعي والسياسي والعلمي المعتاد.

ملاحظة على الهامش، يعني! ويبدو أن «داعش» وقبله «القاعدة»، كان يملك هذا الإغراء، وإلا فلولا «داعش» و«القاعدة»، من كان سيعرف ملا عراقيًا اسمه إبراهيم عواد البدري؟ أو واعظًا أردنيًا اسمه عصام برقاوي (أبو محمد المقدسي)، أو شابًا سعوديًا عاديًا مثل صالح العوفي؟ أو مدّرسًا بحرينيًا «مطوعًا» مثل تركي البنعلي؟

بالعودة لتركي فهو تحول لرمز «داعشي» كبير؛ منّظر شرعي، في سوريا وليبيا، كما يقولون، وبذل طاقته لمناصرة البغدادي، وألف لترويج شرعيته رسالة شهيرة باسم «مّد الأيادي لبيعة البغدادي» ومن أجل سواد عيَني، وعمامة البغدادي، كّفر أبا محمد المقدسي، الذي عّلم كل هؤلاء الغلاة.

لكن كل متطرف سيجد من هو أكثر تطرفًا منه، ولو بعد حين، تخيلوا أن هناك مجموعة داخل «داعش» تعتقد أن البغدادي نفسه متساهل ومرتد عن الإسلام!

فبراير (شباط) 2015 أسقطت «الداخلية» البحرينية الجنسية عنه، بعد التحاقه بـ«داعش»، وكان التسويغ: الحفاظ على الأمن والاستقرار ومكافحة التهديدات الإرهابية.

قصة تركي تشير لمأساة أكبر؛ وهي الطلب في المسارح الجهادية «الإرهابية» على العنصر الخليجي؛ من الجزيرة العربية، أرض الصحابة، لتستكمل الأدوات الرمزية للشرعية، كما شاهدنا ذلك بأفغانستان والشيشان.

شخصية مثل تركي البنعلي تستحق التأمل والدرس، حتى نسّد الغار الذي يلد أمثاله.