يوسف دياب

تخطت زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى منطقة الشمال، إطار الاطلاع على حاجات هذه المنطقة المحرومة خدماتياً، والوعود التي أغدقت بتنفيذ المشاريع الإنمائية فيها، لتأخذ بُعداً سياسياً شكّل اختباراً حقيقياً لشعبية الحريري في منطقة تعدّ الخزان الشعبي لتيار «المستقبل».

الزيارة التي بدأت بلقاءات موسعة على موائد الإفطار الرمضانية التي أقامها رئيس الحكومة، بدءاً من مدينة طرابلس ومنها إلى عكار والضنية وانتهت بالمنية، بدت كأنها محاولة لإثبات أن سعد الحريري لا يزال الزعيم الأقوى حضوراً على الساحة السنية، في مرحلة تسعى شخصيات سياسية أخرى إلى التمدد في هذه المناطق، والقضم من رصيد الحريري الشعبي، مثل وزير العدل السابق أشرف ريفي، الذي يعتمد على تجربة الانتخابات البلدية التي فاز فيها في طرابلس صيف العام الماضي، وبروز نواة لوائح انتخابية يؤلفها ريفي وسياسيون خرجوا من عباءة تيار «المستقبل».

وكان الحريري ألقى خطابات عدّة في الإفطارات الرمضانية، شدد فيها على «تمسّك تيار المستقبل بنهج الاعتدال في مواجهة التطرف». وقال: «أنا متطرف للاعتدال، ولا يعتقدنّ أحد أن الاعتدال هو ضعف، ولو كان ضعفاً لما اغتالوا رفيق الحريري».

ولا يبالغ قياديو «المستقبل» أنفسهم بحصد نتائج زيارة رئيس الحكومة إلى الشمال؛ إذ عدّ عضو المكتب السياسي في تيار «المستقل» مصطفى علوش، أن «الإفطارات الرمضانية لا تعدّ معياراً للشعبية، لأن هناك دعوات وجهت للشخصيات التي حضرت المناسبات». لكنه أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الأعداد التي توافدت إلى الإفطارات كانت أكثر من المتوقع»، مشيراً إلى أن «خطابات الرئيس الحريري، لاقت تفاعلاً إيجابياً من الحضور ومن المواطنين، لكن من المبكر القول: إن الوضع الشعبي عاد إلى ما كان عليه قبل سنوات».

وعمّا إذا كان الحريري لا يزال الأقوى مع بروز قيادات سنية أخرى، أمثال الوزير ريفي ورئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي وقيادات أخرى، أوضح مصطفى علوش أنه «لا يمكن مقارنة شخصية الرئيس سعد الحريري مع سياسيين آخرين؛ سواء كانوا تقليديين أو الذين برزوا حديثاً، لأن قوة الحريري الشعبية ممتدة على كامل الأراضي اللبنانية، عدا عن أن جزءاً من شخصية سعد الحريري، هي من إرث رفيق الحريري، ومرتبطة بعلاقة تيار (المستقبل) مع الناس». وأضاف: «اللبنانيون يعرفون أن وزن رجل السياسة لا يرتبط بشعارات تدغدغ عواطفهم، بل بحضوره على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، ومصداقية هذا الشخص لدى اللبنانيين».

أما خلدون الشريف، وهو سياسي مقرّب من رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، فلفت إلى أن الحريري هو الآن رئيس حكومة كل لبنان، وعدّ أن «وجوده في السلطة سيؤدي إلى ترميم ما خسره نتيجة غيابه عن الحكم ونتيجة وجوده لسنوات خارج لبنان». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الحريري «يحتاج فعلاً إلى ترميم وضعه الانتخابي في كل لبنان وليس في الشمال فحسب».

وقال الشريف: «كان واضحاً أن مجيء رئيس الحكومة إلى الشمال مؤثر، لكن حجم هذا التأثير لا يمكن استخلاصه من خلال حفلات الإفطار فقط، بل من خلال أداء مقنع ووعود تتحقق، وثبات في مواقف يطلبها الشارع الذي ينتمي إليه سعد الحريري»، مؤكداً أن «عدم زيارة الحريري للرئيس نجيب ميقاتي في طرابلس، مرده إلى أن الرئيس ميقاتي لم يكن في طرابلس حينها، وهو اعتذر عن حضور الإفطار الذي أقامه الحريري والسحور الذي أقامه الوزير محمد الصفدي، لارتباطه بمواعيد أخرى ملحّة».. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكان الحريري اختتم جولته في طرابلس بحضوره السحور الذي أقامته منسقية مدينة المنية، وحضره عدد من الشخصيات السياسية وفاعليات المنطقة، وأكد الحريري أن «تيار المستقبل لا يخشى الانتخابات النيابية أياً كان شكل القانون الذي سيقرّ». وفي تعبير عن ثقته بشعبيته قال الحريري: «فليقروا القانون الذي يريدون، وكما قال الرئيس رفيق الحريري قبل اغتياله، سأخوض الانتخابات في الدائرة الأصعب، وأنا أقول لكم الآن، تيار (المستقبل) لا يخشى الانتخابات، سنخوضها بكل لبنان وسنترشح بالدائرة الأصعب».

والتقى الحريري أهالي الموقوفين الإسلاميين في المنية واستمع إلى مطالبهم بخصوص تسريع مسألة البت بمصير أبنائهم الموقوفين. وتحدث إليهم قائلا: «أعرف معاناتكم وأتحسس مشاعركم، لقد تعهدت بالعمل على تسريع الخطى لإنجاز مشروع قانون عفو عن كل شخص يستحق العفو ولن أتراجع عن هذا الوعد». وأضاف: «كلنا يعلم أن هناك ظلما يحصل في سوريا بحق الشعب السوري، ونحن نرفضه ووقفنا ضده ونتعاطف مع المظلوم أيا كان، ولكن على الجميع التنبه وعدم الانجرار للانضمام للمتطرفين بحجة مناصرة الإخوان السوريين، أو التلطي وراء شعارات دينية لأهداف غير مسؤولة». وأكد أن «كل مواطن عليه مسؤولية لتوعية الشباب والأبناء وتحذيرهم من مخاطر الانضمام إلى المجموعات المتطرفة التي تتستر زورا برداء الدين الإسلامي»، مذكراً بأن «الدين الإسلامي دين اعتدال وتسامح ولا يأمر أحداً برمي نفسه بالتهلكة».