قطر على خطى «جماهيرية» القذافي... «آخر الدواء الكَي»!

صالح القلاب

ما حصل يوم الأحد الماضي، حيث قطعت المملكة العربية السعودية ومعها البحرين والإمارات ومصر واليمن وليبيا وبعض الدول الإسلامية، علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، هذا بالإضافة إلى عقوبات وإجراءات أخرى كثيرة، كان يجب أن يحصل بعدما تمادت «الدوحة» كثيراً في الاستفزاز والتحديات التي أخطرها ليس الانحياز إلى إيران الخمينية، على خطورته، وإنما الدعم المتصاعد ليس بالأموال فقط بل بكل أشكال الدعم لكثير من التنظيمات الإرهابية وأخطرها تنظيم داعش ومن بينها «النصرة» و«جفش» و«القاعدة» وبالطبع «الإخوان المسلمون» وبعض التشكيلات الدموية المتطرفة إن في مصر وإن في ليبيا وإن في اليمن.
لقد أصبحت «الدوحة» في الفترة الأخيرة، أي في عهد الشيخ تميم الذي انتقل إليه الحكم بالطريقة نفسها التي انتقل فيها إلى والده من قبله «تورا بورا» ثانية، وأصبحت مقراً معلناً وعلى رؤوس الأشهاد لكل التنظيمات الإرهابية المعروفة وغير المعروفة من «طالبان» الأفغانية إلى «داعش» إلى «القاعدة» التي أصبح اسمها: «النصرة» ثم أصبح «جفش» إلى عدد من التشكيلات الليبية الدموية المتطرفة، وكل هذا بالإضافة إلى «الإخوان المسلمين» وحركة «حماس» التي وللأسف قد انتهت إلى هذه النهاية البائسة والمأساوية بإعلان انحيازها إلى التحالف الإيراني، الذي يضم نظام بشار الأسد و«حزب الله» اللبناني وحوثيي اليمن ومعهم علي عبد الله صالح ويضم أيضاً الحشد الشعبي العراقي ومعه أكثر من ستين تنظيماً طائفياً من بينها ما يطلق على نفسه اسم «عصائب أهل الحق» بقيادة قيس الخزعلي.
والسؤال هنا هو: لماذا لجأت قطر، الدولة الصغيرة التي هي ليست بحاجة إلى حشر نفسها في كل هذه الأمور التي من المفترض أنها ليست بحاجة إليها، والتي جعلتها في النهاية تدفع الثمن غالياً بإخراجها من الإطار الخليجي وأيضاً من الدائرة العربية، وبحيث أصبحت تابعة لإيران تبعية إلحاقية كتبعية «حزب الله» اللبناني وحوثيي اليمن والحشد الشعبي ونظام بشار الأسد وحزب الدعوة العراقي وحزب جلال الطالباني الكردي في السليمانية في كردستان العراقية، إلى ذلك؟!.
والجواب أنَّ قطر، التي يفرحها بأن توصف بـ«العظمى» مصابة بما يسمى «داء العظمة» فهي، ولأنها غدت مصابة بـ«التخمة» المالية، باتت تنشد حجماً سياسياً إقليمياً ودولياً أكبر كثيراً من حجمها الفعلي والحقيقي، ولذلك وبدل أن تصبح «دبي» ثانية ذهب بها البحث عن دورٍ غير دورها المتواضع إلى تبني كل هذه التنظيمات الإرهابية، لتفرض نفسها على من هُمْ أكبر منها كثيراً ولتصبح لاعباً إقليمياً ودولياً تحتاجه بعض الدول الكبرى المستهدفة.
والغريب أنَّ هذه الدولة بدل أن تستخدم ما أنعم الله به عليها ببسط يدها لمساندة بعض الدول العربية والإسلامية الشقيقة، التي هي بحاجة إلى المساندة والدعم، لجأت، من أجل فرض نفسها كدولة مؤثرة وفاعلة على الآخرين ومن بينهم بعض الدول العربية القريبة والبعيدة، إلى تقريب كل هذه التنظيمات الإرهابية المعروفة وبما فيها «داعش» و«القاعدة» واستضافتها، على الرحب والسعة، في الدوحة التي غدت «تورا بورا» الثانية وغدت مقراً لـ«الإخوان المسلمين» والمركز القيادي الأول لحركة «حماس» ولحركة «طالبان» الأفغانية.
وحقيقة أن قطر التي اختلفت عن كل الدول الخليجية وكل الدول العربية أيضاً في أنَّ ظاهرة شهوة الحكم قد جعلت الابن ينقلب على أبيه في حالتين متتاليتين قد تغلبت على صاحب «الجماهيرية»، التي ثبت أنها ليست عظمى ولا «هُمْ يحزنون»، في أنها، وبخاصة في السنوات الأخيرة، قد احترفت أسلوب «التلاعب» على المتناقضات وأنها لم تستثن من احتضانها للتنظيمات الإرهابية العاملة في هذه المنطقة حتى ولا تنظيماً واحداً، ولهذا فإنها بقيت «تحشر» أنفها في كل الصراعات الجانبية بين هذه التنظيمات وبين أي منها وأي دولة من دول هذه المنطقة، بل ومن الدول الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا وغيرها.
كان العقيد القذافي قد لجأ إلى كل هذه الأساليب من أجل مواجهة المعارضة الليبية الخارجية والداخلية التي كان يسمي منتسبيها «الكلاب الضالة»، وأيضاً من أجل الضغط على من كان يعتبرهم أعداءً وخصوماً له ولـ«جماهيريته» من عرب وغير عرب إلى الاستعانة ببعض الفصائل الفلسطينية المتطرفة ومن بينها: حركة «فتح»... «المجلس الثوري» بقيادة صبري البنا (أبو نضال) وبعض التنظيمات العالمية الإرهابية مثل «الألوية الحمراء» الإيطالية و«بادر مايْنهوف» الألمانية و«الجيش الجمهوري الآيرلندي»... والكثير من التشكيلات الأفريقية والأميركية اللاتينية، وحقيقة أن هذا هو ما بقيت تفعله قطر إنْ في عهد الشيخ حمد بن خليفة، وإنْ في عهد الشيخ تميم الذي عندما خلف والده في هذا الموقع كأمير لهذه الإمارة توسم كثيرون فيه الخير، وراهنوا على أنه سيقوم بثورة تصحيحية سلمية، وأنه سيطرد كل شذاذ الآفاق من عاصمة إمارته، وأنه بدل كل التوترات السابقة سيقيم علاقات حسن جوار ومصالح مشتركة مع دول العالم بأسره، ومع الدول العربية القريبة والبعيدة.
لقد فعل القذافي هذا الشيء نفسه عندما كان يتقصد إشعار الدول المناوئة له ولـ«جماهيريته» بأن لديه قدرة على إيذائها إن هي لم تلتزم الصمت تجاه «تحرشاته» التي لم تسلم منها دول كثيرة، وحقيقة أنه كان ينفذ بعض ما كان يهدد به، وكان من خلال بعض «الفصائل» الإرهابية المرتبطة به قد أسقط طائرات ركاب مدنية أوروبية، وفجَّر بعض المنتديات الليلية أحدها في ألمانيا «الغربية».
وهكذا فإن قطر، وبخاصة مع بدايات عهد الشيخ حمد الذي تنازل لاحقاً، وإنْ شكلياً، لابنه تميم الأمير الحالي، قد اختارت السير على الطريق نفسه الذي سار عليه العقيد معمر القذافي، وذلك للظهور بأنها قادرة على فعل ما تفعله الدول الكبرى رغم حجمها الصغير وقلة عدد سكانها، ولذلك فإنها قد بادرت ومبكراً إلى احتضان الإخوان المسلمين ومنظرهم الشيخ يوسف القرضاوي، واحتضان حركة «حماس» وكثير من التنظيمات الإرهابية كـ«داعش» و«النصرة» و«طالبان» وكثير من التشكيلات المتطرفة الليبية والمصرية والسورية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي ضاقت ذرعاً بكل هذه الألاعيب والسياسات والتصرفات القطرية كانت قد فرضت على الشيخ حمد التزاماً مكتوبا: «اتفاق الرياض» بالكف عن كل هذه التصرفات والألاعيب، لكن هذا الالتزام بقي مجرد حبر على ورق، حيث إن الأب ولاحقاً الابن، أي الشيخ تميم، قد أمعنا بعيداً في احتضان ودعم المزيد من هذه التنظيمات الإرهابية فعلاً، وحيث أصبحت الدوحة بالفعل بمثابة «تورا بورا» الثانية.
ولذلك فإنه بعدما طفح الكيل، كما يقال، كان لا بد من أن يكون «آخر العلاج الكي» وأن يكون هذا الإجراء الأخير بأنْ قطعت، وعلى مضض، عدة دول عربية وإسلامية، من بينها المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر، علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وبما ترتب على هذا من إغلاق للحدود البرية والبحرية وحظر تحليق الطيران القطري في أجواء هذه الدول ومن وضع لكثير من القيود على تنقل القطريين..
ويقيناً أنه ما كان من الممكن أن تلجأ هذه الدول العربية والإسلامية إلى هذه الإجراءات القاسية فعلاً، وبخاصة بالنسبة للمواطنين القطريين العاديين، لو لم تذهب حكومتهم بعيداً في التحدي وتنحاز على نحو استفزازي إلى إيران، وتعتبر حتى «حزب الله» اللبناني مقاومة مشروعة، وتعلن دعمها لـ«الحوثيين» في اليمن مع أن قطر كانت جزءاً من التحالف العربي الذي أنشئ لإحباط التمرد المسلح الذي قام به «الانقلابيون» بقيادة علي عبد الله صالح على الشرعية اليمنية.