إميل أمين 

لم تكن إشكالية الإرهاب وداعميه خافية على أعين قادة العالم العربي ودول مجلس التعاون، فأصابع الاتهام وجهت طويلا إلى قطر، والأدلة الدامغة ثابتة في حقها، بالصوت والصورة.
لم يتوقف التآمر القطري على دول الخليج لا سيما الشقيقة السعودية، وكذا الإمارات منذ عام 1995 حتى الساعة، أما عن الأدوار الشريرة لإلحاق الأذى بمصر فهذه قصة أخرى.
هل كان الدور القطري خافياً على الولايات المتحدة، بأجهزتها الاستخبارية التي ترصد دبيب النمل كما يقال؟
بالقطع لدى واشنطن، وعند سكان «لانغلي» تحديدا، أي جماعة الاستخبارات المركزية الأميركية أضابير متخمة بالأوراق والوثائق التي تثبت علاقة قطر بالإرهاب. لماذا صمتت واشنطن كل هذا الزمان؟
الجواب يدخل ضمن سياقات الغموض الذي غلف إدارتي باراك أوباما، وعلاقاته المشبوهة مع جماعات الإسلام السياسي، وفي المقدمة منها «الإخوان المسلمون».
يبدو دونالد ترمب أكثر إقداما على تشخيص المرض وتسمية الولد باسم أبيه، وهذا ما صرح به أمام أكثر من 50 زعيماً ورئيساً لدول عربية وإسلامية في الرياض، وساعدته في ذلك الإرادة العربية الخليجية الشافية الوافية في القضاء على الإرهاب.
في ردة فعله الأولى على قرار مقاطعة مصر والسعودية والإمارات لقطر، اعتبر ترمب أن هذا الإجراء بداية حقيقية للقضاء على الإرهاب في المنطقة، وتالياً أثنى ثناء واضحا على دور الملك سلمان في دعم الإرادة الجدية لمحاربة قوى الشر وكشفها وفضحها أمام العالم، ما يعني أن صحوة العالم العربي حقيقية، ونابعة من ذاته، حتى وإن جاء الأمر بمشاركة أميركية، وهذه لها مصلحة كبرى في القضاء على هذا الوباء الفتاك.
عدة أسئلة مثيرة تنطلق من متابعة وتحليل الموقف الأميركي من الأزمة القطرية، منها على سبيل المثال: هل واشنطن ستضحي بالخدمات اللوجستية التي تقدمها لها قطر، أم ستغض الطرف عن دعمها للإرهاب؟
السؤال يحملنا ولا شك لجهة الحديث عن أكبر قاعدة أميركية عسكرية في المنطقة. فعلى أراضي قطر توجد قاعدتا العديد والسيلية و«المقر الرئيسي للقيادة المركزية للولايات المتحدة»، والتي تدير جميع العمليات العسكرية في أفغانستان والشرق الأوسط.
الإشكالية هنا هي أن قطر تكاد تكون بالنسبة للأميركيين مثل «جانوس» الروماني صاحب الوجهين، الإنساني والرباني، فهي من جهة تسمح للبنتاغون الأميركي بالعمل على الأراضي القطرية، وتقع في منطقة حيوية واستراتيجية بالنسبة لجولات وصولات واشنطن العسكرية القائمة، وبالتأكيد القادمة. ومن ناحية أخرى، تمثل وجه الشر، عبر دعمها لمجموعات ومنظمات إرهابية، بحسب واشنطن، مثل «حماس»، و«الإخوان المسلمين»، و«حزب الله». أما علاقاتها الخفية مع «القاعدة» و«داعش» فيعرفها جنرالات واشنطن أفضل من أي أحد آخر.
هل تحولات السياسة القطرية الأخيرة تزعج واشنطن؟
بالقطع ذلك كذلك، لا سيما الحديث عن الارتماء في الأحضان الإيرانية، وهذا طرح قطري يمثل قمة اللعب على أكثر من حبل، لكنها في نهاية المشهد لن تستطيع المضي فيه طويلا، فواشنطن بعديدها وعتادها الموجودين في القواعد القطرية منذ فترة طويلة، لن تقبل بأن يكون أكثر من 11 ألف جندي أميركي، صيداً سهلاً لقوات الحرس الثوري الإيراني التي تدفقت مؤخراً لحماية الأسرة الحاكمة القطرية، ومن بعدها يستمر التسرب العسكري الإيراني، لتصبح قطر لاحقاً الدولة الخامسة التي يمكن لإيران أن تزعم أنها بسطت سيطرتها عليها، بعد اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
لم تقرأ قطر في رهاناتها الخاسرة مشهداً مثيراً في الأيام القليلة الماضية، جرت به الأقدار في داخل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أي تعيين مايكل داندريا الرجل المعروف بـ«أمير الظلام»، مسؤولا عن ملف إيران، والمواجهة الشرسة معها في زمن دونالد ترمب، وما يدور عنه من أحاديث يستدعي قلقاً جدياً من نظام الملالي، فهو عميل استخبارات مزعج للأعداء، إلى أبعد حد ومد.
لن تقبل واشنطن بالمرة حلفاً قطرياً إيرانياً يكون مناوئا للتحالف الأميركي العربي الخليجي، الذي يطلب مواجهة حاسمة وحازمة مع الإرهاب وداعميه، ودون أن يعني ذلك حتمية البحث عن الحروب والمواجهات العسكرية، ولهذا تبقي دول المقاطعة الأبواب مفتوحة غير موصدة أمام قطر والأسرة الحاكمة فيها، لتصحيح أوضاعها وتعديل طباعها، فلا نية للسعي لإزاحة نظام وإنما تقويم سياسات.
في هذا السياق تفهم كذلك الدعوة الأميركية، إن تطلب الأمر، لاستضافة زعماء دول المنطقة، في محاولة لإنهاء الخلافات. ويتفهم المرء أيضا الاتصالات الهاتفية المكثفة التي أجراها الرئيس ترمب مع أطراف الأزمة، وربما يكون في الأفق القريب توجه ينحو إلى إعطاء قطر فرصة أخيرة قبل التصعيد النهائي الذي تكفله الشرائع الإلهية والنواميس الوضعية للحفاظ على النفس والمال والممتلكات وسيادة الدول وسلامة شعوبها، فرصة حتما ستكون معقودة على شروط لا بد لقطر من تلبيتها، وتكون واشنطن - ترمب هنا هي الضامن والكفيل بتنفيذها، حتى لا يتكرر ما جرى عام 2014.
ما تقدم ليست معلومات مؤكدة، ولكنها رؤية تحليلية واستشرافية تراعي فيها الدول الخليجية والعربية حقائق الدم والدين المشتركة، وهي ركائز لم تعرها قطر كثير الاهتمام، وفي الوقت ذاته تكفل لواشنطن ضمان استقرار منطقة استراتيجية مهمة جدا لها، سيما وأن الجميع في واشنطن يرى إيران الراعي الأكبر للإرهاب عربيا وخليجيا.
هل تبادر قطر للفرصة السانحة عبر النافذة الأميركية، أم تغلق في وجه ذاتها مسارب الأمل، وتغلب أهواء المكايدة والمعاندة السياسية، بما يعني المواجهات الأسوأ التي لم تأت بعد؟