رائد جبر 

التزمت موسكو على المستوى الرسمي، موقفاً حذراً من التطورات الأخيرة في الخليج، وأكدت حرصها على مواصلة تعزيز العلاقات مع كل الأطراف، مع تجنُّب توجيه إشارات تؤيد الإجراءات التي اتُّخِذت ضد قطر أو تعارضها. في الوقت ذاته، عكست تعليقات برلمانيين ومعلقين في وسائل الإعلام الحكومية أن التريث في إعلان موقف، يهدف إلى إجراء أوسع تقويم للوضع لتحديد نقاط الربح والخسارة، فيما لم تخفِ أوساط «ارتياحاً» إلى مكاسب سياسية واقتصادية تسعى إلى تحقيقها.

ومنذ اندلاع الأزمة، أوحت المحادثات الهاتفية التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع أمير قطر تميم بن حمد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بأن روسيا تريد أن تتولى جهود وساطة. لكن الكرملين أعلن في وقت لاحق أن موسكو تدعو إلى تسوية الأزمة بالطرق السياسية الديبلوماسية، مؤكداً أن الحديث لا يتعلق بمسعى للتوسط.

مصادر ديبلوماسية تحدثت إلى «الحياة» لفتت إلى أن طلب الوساطة الروسية ربما يكون جاء من قطر، خصوصاً أن كل الاتصالات مع بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف جاءت بمبادرة من الدوحة. وتبرز في هذا الإطار زيارة وزير الخارجية القطري موسكو، والتي لم تكن مدرجة سابقاً على جدول أعمال لافروف.

ولم تخفِ موسكو أن لديها مخاوف جدية من التداعيات المحتملة على الوضع في المنطقة، وعلى جهود مكافحة الإرهاب تحديداً. وركّزت وسائل إعلام رسمية على أن الانقسامات العربية تؤدي إلى شل جهود تسوية الوضع في سورية، وتفاقم خطر تصاعد المواجهات.

وبرزت إحدى أولى النتائج المباشرة، من خلال إعلان تأجيل جولة مفاوضات في آستانة، واعتبر ديبلوماسيون أن تعقيدات الموقف العربي تدفع إلى التريث لإنضاج ظروف إنجاح المفاوضات السورية. وواضح أن اثنتين من الدول الضامنة لوقف النار في سورية، هما تركيا وإيران، انخرطتا في متابعة الأزمة، وبرزت إشارات إلى ميلهما إلى تبنّي موقف أقرب إلى الدوحة. ولا يبدو إطار التحرُّك الروسي بعيداً من وجهتَيْ النظر التركية والإيرانية، إذ حملت عبارات الوزير لافروف موقفاً لافتاً أمس، عندما أشار إلى «تطابق موقفَي موسكو وطهران في شأن ضرورة تسوية الأزمة في الخليج من طريق الحوار».

وكشفت تعليقات خبراء مقربين من الكرملين أن موسكو تعدّ دراسة معمّقة للوضع، وثمة من يرى أنه سيعود بفوائد كبرى على الروس، من خلال إعادة ترتيب التحالفات في الشرق الأوسط. في المقابل، اعتبر محلّلون اقتصاديون أن الحظر المفروض على تحرّكات السفن القطرية في الموانئ والمياه الإقليمية لدول مجاورة، يشكل تهديداً لإمدادات الغاز الطبيعي القطري المسال، إلى أوروبا. ورأوا أن ذلك سيساهم في زيادة أسعار الغاز، وزيادة إمدادات روسيا إلى السوق الأوروبية.

ولفت اقتصاديون إلى ما وُصِف بأنه «موجة رعب في صفوف المستثمرين في سوق الغاز والتجار»، لا سيما في حال منع مصر شحنات الغاز القطري من عبور قناة السويس.

وبرزت تساؤلات في روسيا حول مصير الاستثمارات القطرية الكبرى في السوق الروسية، والتي تصل إلى نحو 13 بليون دولار، الجزء الأكبر منها في مشاريع نفطية. وسارع الكرملين إلى تهدئة المخاوف، وقال الناطق باسمه ديمتري بيسكوف أن أي تلميح إلى استرداد (إعادة شراء) 19.5 في المئة من أسهم شركة النفط الروسية العملاقة «روس نفط» التي باعتها موسكو إلى قطر «غير ممكن وغير صحيح».

وأكد الناطق الرئاسي أن التعاون مع قطر في الاستثمارات والمجالات الأخرى «لن يتأثر بالأزمة الحالية».

وبدا إعلان غرفة موسكو للتجارة والصناعة ذا دلالات، عبر الإشارة إلى استعداد المنتجين الروس للبدء بتصدير منتجات غذائية إلى قطر فوراً، إذا تطلّبت الحاجة.