ميسون الدخيل 

سقطت قناة الجزيرة لعدم الالتزام بالحيادية في نقل الخبر والتعامل معه. سقطت عندما أسهمت في نشر الفكر التكفيري والإسلام الراديكالي

عند التعاطي مع الأزمات، تمر الوسائل الإعلامية التي من المفترض أنها موضوعية، بثلاث مراحل: مرحلة نشر المعلومات، مرحلة تفسير المعلومات وتحليلها، والمرحلة التي تسمى الوقائية، وهذا لأن إعلام الأزمات يركز على مفهوم «الحد من الضرر».
والذي حدث بالنسبة لقناة الجزيرة أنها في كل مرحلة من هذه المراحل كانت تقوم بدور إعلام خلق الضجيج للتشويش والتحريض، والذي تجلى مؤخرا في حالات كثيرة من الفبركة والتلاعب في عرض المفاهيم على العامة! لم تبدأ كذلك بالطبع، ولكنها اليوم هي كل ذلك وأكثر!
قد تكون بدأت وانتشرت بسبب ما قدمته في بداياتها من مهنية ومصداقية، بكل إمكاناتها التقنية والبشرية الكبيرة من المهنيين الذين جمعتهم من كبرى مؤسسات الإعلام، فضلا على أنها قدمت برامجها بأسلوب مختلف عما كان يقدم في الإعلام العربي، أسلوب يقترب أكثر إلى الإعلام الغربي، في كيفية التعاطي مع الخبر وعرضه، وبهذا تمكنت من جذب انتباه وولاء المشاهد العربي، لدرجة أنها تربعت على هذا العرش لـ15 عاما دون منافسة على الساحة الإعلامية، وكان لها بذلك عصر ذهبي. 
نعم، انبهر بها المشاهد العربي، خاصة البرامج الحوارية مثل «الاتجاه المعاكس» و«أكثر من رأي»، ثم البرامج الدينية مثل «الشريعة والحياة» وبالطبع الوثائقية، إضافة إلى المراسلين الذين انتشروا تقريبا في كل بقاع الأراضي العربية، سيما تلك التي كانت تدور فيها أحداث ساخنة، وقدمت الحوار المباشر مع المراسلين لتنقل الصورة في وقت الحدث. 
بالطبع، كل ذلك كان بفضل دعم الدولة القطرية لها بتخصيص أضخم ميزانية عرفها الإعلام العربي. نعم، فرح بها المشاهد العربي لكنه لم يكن يعلم أنه كان يُحضّر ويُجيش من أجل حدث سيؤثر على مستقبله ومستقبل أمته!
خُدعنا بشعار «منبر من لا منبر له»! منبر من؟ منبر الإخوان والصهاينة وكل وجوه التطرف والإرهاب! 
فمن بثّ خطب زعماء القاعدة، وأولهم أسامة بن لادن؟ ومن كان يلعب على وتر الجهاد وجعل منه بطلا وقدوة لكثير من الشباب؟ من أعطى القاعدة منبرا، من أعطى طالبان، من أعطى الظواهري، والجولاني، والغنوشي، والقرضاوي؟! وهل الصهاينة كانوا بحاجة إلى منبر؟! 
من فتح لهم المجال ليدخلوا إلى البيوت العربية، ليتحدثوا وكأنهم ند أو مجرد خصم بوجهة نظر مختلفة، وليسوا عدوّا مغتصبا؟! من بثّ حملات غير مسبوقة للترويج للفكر التكفيري الذي أسهم في اشتعال «الجحيم العربي»، وأدى إلى «الدمار العربي»؟! من أسهم في انحطاط الوعي العربي وقبله الإعلام العربي؟! لنتابع ونرى كثيرا من البرامج الحوارية، ونرى كمية الصراخ والشتم والخواء الذي يقدم لنا خلالها، تُرى أين بدأ؟!
وماذا عن تحريض الشعوب العربية على حكوماتها، خلال حمل شعلة الثورات! بدلا من أن تسهم في إطفاء الشرارات والعمل على المطالب الحقوقية بسلمية وحوار. أشعلت وخربت وجلست فوقها وتربعت! 
لقد فقدت مصداقيتها عندما فقدت الموضوعية، وأخذت جانبا ضد آخر، وبكل وضوح دون حتى أن تدّعي أو تمثّل. عندها كان قد سقط القناع، ولم تعد تبالي بأن لديها هذا الكم من المتابعين بولاء، كان من الصعب اختراقه، فقد عملت عليهم لـ15 عاما، ولكن كثيرا بدأ يستيقظ مع بداية الأزمة ولاحظ التلاعب والفبركة والتمجيد للحركات الإرهابية بطرق مباشرة وغير مباشرة، ورغم ذلك استمرت أعداد كبيرة من المتابعين يرفضون أن يروا غير ما تم حفره في وجدانهم عنها، عقولهم ترفض أن تصدق، ويتهمون كل من يريد أن ينبهم بأنه ساذج ومؤمن بنظرية المؤامرة! 
لقد سقطت اليوم -على الأقل في نظر نسبة لا بأس بها من المشاهد الخليجي- وعلى الأخص السعودي الذي سمع بأذنه ورأى بعينه وشعر بمخاطر ما تبثه هذه القناة تجاه وطنه. 
ربما يكون هنالك مَن لا زال يراها مَثَله الأعلى في الإعلام، حتى أنهم يعيدون تغريدات تتحدث عن الهجوم عليها سواء كان إعلاميا أو إلكترونيا لاختراقها، بالطبع هؤلاء أعدّهم ممن لن يستيقظ حتى تأتي الحقيقة وتصفعهم في وجوههم!
سقطت الجزيرة، بسبب عدم الالتزام بالحيادية في نقل الخبر والتعامل معه، سقطت عندما أسهمت في نشر الفكر التكفيري والإسلام الراديكالي. سقطت حينما أسهمت في بث الفوضى الأمنية في المنطقة وإشعال الصراعات الداخلية. سقطت لأنها وضعت نفسها طرفا في النزاعات. سقطت حين تبنت وجهات نظر دون أخرى. سقطت حين قامت بدس السم في الدسم. سقطت بالانحياز الأعمى إلى الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات والأحزاب والتنظيمات الإرهابية المتطرفة. سقطت حين انتهجت سياسة العداء وتغذية الصراعات والطائفية. سقطت حينما جعلت من الخطاب الإعلامي أداة للدمار والتحريض على الحروب والفتن. سقطت لأنها اليوم ليست سوى بوقا للفتنة. سقطت... والسؤال هنا: هل ستستمر؟ 
نعم، حتى وإن تم محاصرتها وإغلاق مكاتبها ومنع مراسليها من دخول البلاد، ستظل طالما أن هنالك من سيبحث عنها على شبكات التواصل والبث المباشر حتى يجدها، إن لم يتم إغلاقها من دولة قطر التي أسستها ودعّمتها. ستظل تبث سمومها في فضاء أمتنا، لأن هنالك من يرفض أن يرى ويسمع ويقرأ سوى ما تمليه عليه، دون أن يُفعّل العقل أو المنطق، أو حتى يتعب نفسه ويبحث ويتأكد ويراجع ولو بعضا من المقاطع التي كانت تقدم على أنها تقارير أو مشاهد، بعين مواطن يخاف على وطنه، أو حتى إنسان يخاف على إنسانيته!.