فاتح عبد السلام

‭ ‬الدمار‭ ‬الحاصل‭ ‬بالجانب‭ ‬الايمن‭ ‬من‭ ‬الموصل‭ ‬لا‭ ‬يشبهه‭ ‬دمار‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬حلب‭ . ‬وخاصةً‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬محيط‭ ‬الدواسة‭ ‬الى‭ ‬باب‭ ‬لكش‭ ‬وباب‭ ‬الجسر‭ ‬وباب‭ ‬جديد‭ ‬وباب‭ ‬البيض‭ ‬وباب‭ ‬الطوب‭ ‬وباب‭ ‬سنجار‭ ‬،‭ ‬وأكثر‭ ‬التدمير‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حصة‭ ‬الاسواق‭ ‬والمباني‭ ‬الحكومية‭ ‬والخدمية‭ ‬والصحية‭ ‬والورش‭ ‬الصناعية‭ . ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬المصابين‭ ‬والجرحى‭ ‬والمصدومين‭ ‬نفسياً‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والاطفال‭ ‬والشيوخ‭ ‬والشباب‭ ‬كبير‭ ‬جداً‭ ‬،‭ ‬وكلما‭ ‬يتم‭ ‬تحرير‭ ‬حي‭ ‬سكني‭ ‬ينسحب‭ ‬المصابون‭ ‬الى‭ ‬مخيمات‭ ‬النزوح‭ ‬أو‭ ‬يذهبون‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬مستشفيات‭ ‬جميعها‭ ‬خاصة‭ ‬باهضة‭ ‬التكاليف‭ ‬،عندما‭ ‬يصلون‭ ‬الى‭ ‬أربيل‭ ‬ومدة‭ ‬اخرى‭ ‬في‭ ‬الاقليم‭ ‬أو‭ ‬بغداد‭ ‬،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬المصابون‭ ‬لا‭ ‬يتلقون‭ ‬اي‭ ‬دعم‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬بوصفهم‭ ‬جرحى‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬وقعت‭ ‬داخل‭ ‬مدينتهم‭ ‬،ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬أساساً‭ ‬أيّ‭ ‬طرف‭ ‬أصابهم‭ ‬بقذائفه‭.‬

الحرب‭ ‬ستنتهي‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬،‭ ‬فليس‭ ‬امام‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬التدميري‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬للنجاة‭ ‬بجرائمه‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يحصل‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬،‭ ‬انه‭ ‬يقبر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الارض‭ ‬التي‭ ‬جعلها‭ ‬مسرحاً‭ ‬لجرائمه‭ ‬طوال‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭.‬

والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬أفواه‭ ‬الناس‭ ‬الآن‭ ‬،‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬ان‭ ‬يبقى‭ ‬الاهالي‭ ‬يعيشون‭ ‬دوراً‭ ‬جديداً‭ ‬مثقلاً‭ ‬بالقهر‭ ‬في‭ ‬معسكرات‭ ‬النزوح‭ ‬وهم‭ ‬يلعقون‭ ‬جراحهم‭ ‬تحت‭ ‬ظروف‭ ‬مذلة‭ ‬لا‭ ‬تطاق‭ ‬وفي‭ ‬قلوبهم‭ ‬غصات‭ ‬فقدان‭ ‬الاب‭ ‬والابن‭ ‬والاخ‭ ‬والزوجة‭ ‬والمال‭ ‬وكل‭ ‬عزيز‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنزل‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬بثقلها‭ ‬لانقائهم‭ ‬واعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬اوضاعهم‭ ‬بوصفهم‭ ‬مواطنين‭ ‬يحملون‭ ‬جنسية‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ . ‬والمسألة‭ ‬ليست‭ ‬انقاذهم‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬وانما‭ ‬هؤلاء‭ ‬بهم‭ ‬حاجة‭ ‬أكيدة‭ ‬للعلاج‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬انواع‭ ‬الامراض‭ ‬المزمنة‭ ‬التي‭ ‬تفاقمت‭ ‬عليهم‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الاصابات‭ ‬جراء‭ ‬القصف‭ . ‬ولا‭ ‬أتناول‭ ‬هنا‭ ‬خسارة‭ ‬اولادهم‭ ‬فرصة‭ ‬التعليم‭ ‬لثلاث‭ ‬سنوات‭.‬

الانسان‭ ‬العراقي‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قيمة‭ ‬تحت‭ ‬انسحاق‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الصعبة‭ ‬،لكن‭ ‬ليست‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬توصيف‭ ‬هذا‭ ‬الانسان‭ ‬،‭ ‬فربما‭ ‬افرزت‭ ‬تجارب‭ ‬التشريد‭ ‬والنزوح‭ ‬والاصابات‭ ‬والقتل‭ ‬تحت‭ ‬القصف‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬داعش‭ ‬وفي‭ ‬خلال‭ ‬عمليات‭ ‬التحرير‭ ‬والعوز‭ ‬والجوع‭ ‬نسيجاً‭ ‬اجتماعيا‭ ‬هجيناً‭ ‬مليئاً‭ ‬بالنتوءات‭ ‬والفقاعات‭ ‬والاورام‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستقيم‭ ‬معها‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬ذلك‭ ‬انّ‭ ‬أطفال‭ ‬النازحين‭ ‬تشكلت‭ ‬عقولهم‭ ‬ومداركهم‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬قابلة‭ ‬للخرق‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والفكري‭ ‬والاعتقادي‭ ‬والامني‭ ‬،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الاهمال‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المجتمع‭ ‬المسؤول‭ ‬والمتمثل‭ ‬بالدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬سيكونون‭ ‬خطراً‭ ‬اجتماعياً‭ ‬،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬معالجات‭ ‬سريعة‭ ‬تنفق‭ ‬الدولة‭ ‬عليها‭ ‬موازنات‭ ‬كبيرة‭ ‬تذهب‭ ‬للصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتغذية‭. ‬اخشى‭ ‬ان‭ ‬نحصل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الانسان‭ ‬الذي‭ ‬عددناه‭ ‬طويلا‭ ‬بلا‭ ‬قيمة‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬سلبية‭ ‬منه‭ ‬تعود‭ ‬بكوارث‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬بلدنا‭ ‬المتعب‭ .‬

أعود‭ ‬لدمار‭ ‬البنيان‭ ‬،‭ ‬واصلاحه‭ ‬بات‭ ‬يحتاج‭ ‬الى‭ ‬اعادة‭ ‬تخطيط‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬والقيام‭ ‬ببناء‭ ‬حديث‭ ‬،‭ ‬ربما‭ ‬بتنا‭ ‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬بناء‭ ‬الف‭ ‬وحدة‭ ‬سكنية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حي‭ ‬مدمر‭ ‬وكان‭ ‬يضم‭ ‬خمسمائة‭ ‬منزل‭ ‬او‭ ‬أقل‭ ‬،‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬الاثار‭ ‬الاجتماعية‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬ثقيلة‭ ‬جراء‭ ‬ذلك‭ ‬الدمار‭ ‬،‭ ‬وسوف‭ ‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬بناء‭ ‬الانسان‭ ‬والحجر‭ ‬معاً‭ . ‬يقول‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المستحيل‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬أحداً‭ ‬سيعيد‭ ‬بناء‭ ‬بيوت‭ ‬الفقراء‭ ‬واسواقهم‭. ‬واقول‭ ‬انها‭ ‬مسؤلية‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬،‭ ‬فالموصل‭ ‬درة‭ ‬من‭ ‬درر‭ ‬مدن‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬خيار‭ ‬لأية‭ ‬حكومة‭ ‬سوى‭ ‬اثبات‭ ‬عراقيتها‭ ‬باعادة‭ ‬الموصل‭ ‬الى‭ ‬حضنها‭ ‬معافاة‭ . ‬أعرف‭ ‬انه‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقرأهذا‭ ‬الكلام‭ ‬المتفائل‭ ‬ويضحك‭ . ‬لأنني‭ ‬انا‭ ‬نفسي‭ ‬أضحك‭.‬