صالح الشيحي

حينما باشرت عملي في البعثة الدبلوماسية في الدوحة - شتاء 2013 - اقترح عليّ بعض زملائي السكن مؤقتا في أحد الفنادق القريبة من السفارة، حتى تخلو إحدى الفلل في المجمع السكني الذي تستأجر فيه سفارتنا حينها، أمضيت أربعة أشهر في الفندق.. أغلب نزلاء الفندق من إحدى دول إفريقيا السمراء.. يتحدثون بكثرة، يأكلون بشراهة، ويغادرون الفندق على سيارات وحافلات مرسوم عليها ختم الخارجية القطرية.. لا أعلم ما الذي يقولون، ولا إلى أين يذهبون، وما سر وجودهم في ذلك الفندق.. كل ما يدور حولي يؤكد أن هناك شيئا غير مفهوم.. في تلك الأثناء نشأت علاقة وطيدة بيني وبين بعض العاملين في الفندق.. كنت أكرر السؤال، حتى خشيت أن يتحول إلى جريمة: «من هم هؤلاء، وماذا يعملون في قطر»؟! - كانت الإجابة واحدة ومكررة: «هؤلاء مشاركون في المؤتمر»، ولا أعلم ما المؤتمر الذي يستغرق أربعة أشهر!
شَغُرت إحدى الفلل في مجمع السفارة، وتركت الفندق، وقمت باستئجارها طيلة فترة بقائي على رأس العمل.. بعد أشهر عدة مررت مع أحد الأصدقاء على ذات الفندق؛ طلبت منه أن نتناول القهوة، وفوجئت بأن مؤتمر الجماعة لم ينته، والمؤتمرون لا يزالون يتحدثون كثيرا، ويأكلون «أكل مودّع»، وسيارات الخارجية القطرية تذهب وتأتي!
مع مرور الأيام والأحداث اكتشفت أن الأمر لم يكن بحاجة لتفسير!
في الملتقيات التي ينظمها مركز الجزيرة للدراسات، لا يمكن لك مطلقا رؤية شاب قطري.. «عرب الشمال» يتقاسمون المشهد مع فلول الإخوان المسلمين، الذين تعرفهم بسيماهم.. 
احتلال كامل.. البلد مستعمرة خاصة، والمواطن القطري الأصيل هو الطارئ.. ناهيك عن أجناس غريبة، وشُذاذ آفاق، ومشردين، وبعضهم هاربون من العدالة، يتواجدون بكثرة في تلك الملتقيات التي تحتضنها هذه العاصمة الخليجية المختطفة.. والملاحظ أن آثار النعمة القطرية بادية عليهم بوضوح!
كان من اللافت والمحيّر في هذه الأثناء أن الفعاليات القطرية الحقيقية - صحف وتلفزيون ومؤسسات - تعيش خارج هذه المنظومة المعقدة.. هكذا يُريد لها الأمير «حمد بن خليفة».. الربان الذي يكاد أن يغرق بالسفينة هذه 
الأيام العصيبة التي تمر بها منطقتنا.. ولا أحد يملك حق السؤال، ولا أحد يستطيع أن يقول: لماذا يحدث هذا؟! غدا نكمل.