أحمد يوسف أحمد

تتسارع الأحداث والتطورات المرتبطة بالأزمة التي خلقها النظام القطري بممارساته المرفوضة خليجياً وعربياً، وأود أن أركز من بينها على ملاحظات ثلاث، تتعلق الأولى منها بإدارة قطر للأزمة، والثانية باحتمالات نجاح جهود الوساطة، والثالثة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه الأزمة.

أما بخصوص الإدارة القطرية للأزمة فقد لاحظ الجميع أن النظام القطري يدعي زيف الاتهامات الموجهة إليه، ومشكلة هذا النوع من الدفاع عن النفس أن الوقائع المعلنة تكذّبه، فإذا كان من يتهمون قطر بدعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بما فيها الدول اللصيقة بقطر، لا يعلنون وثائق تدمغها بذلك فإن «الجزيرة» وسلوكها تكفيهم، فهل من دليل أبلغ من استضافة معارضين يسعون لقلب نظم الحكم في بلدانهم، والسماح لهم من منبر «الجزيرة» وغيرها بتوجيه الإهانات والرسائل التحريضية؟ وهل من دليل على تمويل قطر للإرهاب أقوى من الدور المشبوه في التواصل مع الإرهابيين بزعم التوسط معهم، ونقل مئات الملايين من الدولارات لهم على سبيل الفدية؟ والمضحك المبكي أن كذب الآلة الإعلامية والدبلوماسية للنظام القطري يجعلها تقع في أخطاء مضحكة كأن يصرح مدافع عن النظام القطري في الفضائية البريطانية بأن قطر تؤوي عناصر مناضلة لقوى مدنية ونقابية تناضل من أجل حرياتها، أو بأن الأزمة كلها تعود إلى الغيرة من النظام القطري والحقد عليه بسبب الدور الذي يقوم به عربياً وإقليمياً وعالمياً(!)، ومن بين أساليب إدارة هذا النظام أزمته التأكيد على أن إجراءات مقاطعته لن تجدي نفعاً فهو قادر على تعويض أي نقص في متطلبات الحياة العادية، وكأن أشقاء قطر الذين فعلوا ما فعلوه كي يضعوا نظامها أمام المرآة يقصدون تجويع شعبها، فالأمر ليس سوى تعبير عن غضب معنوي مع كل الحرص على الشعب القطري ومصالحه.

أما الملاحظة الثانية عن جهود الوساطة فهي مرتبطة بالأولى، ذلك أنه ما دام النظام القطري مصرّاً على الزعم بأنه لم يرتكب خطأً فإن هذا لا يعني سوى أن التوصل إلى حل سياسي لهذه الأزمة سيبقى مستحيلاً طالما بقيت مواقف النظام القطري على ما هي عليه، وخاصة أن الأزمة السابقة قد حُلت باتفاق لم يفِ النظام بالتزاماته بموجبه. ويعني هذا أنه بافتراض إمكانية التوصل إلى مخرج من هذه المرة فإنه لا يمكن أن يكون على سبيل التسوية، وإنما يجب أن يكون تخلياً تاماً عن الممارسات التي أوجدت الأزمة، وهو ما يعني تقويض شرعية النظام بالكامل التي بناها على أساس أنه يقوم بدور في نصرة «المظلومين»! ولهذا فإن السيناريو الأقرب احتمالاً هو أن تقوم العائلة الحاكمة والنخبة السياسية بمراجعة سياسات النظام وتغييرها حتى تستطيع بلادهم أن تتفاعل مع محيطها الخليجي والعربي على نحو طبيعي. ومن الحقيقي أن مراجعة كهذه ليست سهلة، ولكن الخبرة السياسية القطرية في العقود الأخيرة تقول إنها ممكنة.

وتتعلق الملاحظة الثالثة والأخيرة بالمواقف الإقليمية والعالمية، وهي تستحق إمعاناً للنظر فعلى الصعيد الإقليمي، برزت المواقف المتعاطفة من كل من إيران وتركيا، ولا شيء غريب في الموقف الإيراني، فعلاقة النظام القطري بنظيره الإيراني أحد أسباب المشكلة، ولذلك من المنطقي أن يهب للدفاع عن النظام القطري، ولكن الأمر الذي يستحق التوقف عنده حقاً هو موقف تركيا التي يُفترض أن علاقات صداقة وتعاون تجمعها بالسعودية والإمارات والبحرين. وهي لم تكتف بالتصريحات التقليدية عن ضرورة الحفاظ على وحدة الخليج، دون تطرق إلى سبب تهديد هذه الوحدة، وإنما استعجلت موافقة البرلمان على إرسال مزيد من القوات إلى قطر. ولأنها تعلم تماماً أن أحداً من جيران قطر لا يمكن أن يفكر في عمل عسكري ضدها فإن التفسير الوحيد لهذا السلوك هو أن تركيا تنوي توفير حماية للنظام القطري ضد أي معارضة داخلية. ويلاحظ أن هذه هي المرة الثانية التي تتصادم فيها السياسة التركية مع مصالح أصدقائها في الخليج، بعد أن خرجت عن الصف الخليجي في الصراع السوري من منطلق مصالحها الضيقة، وهو أمر يستوجب التوقف عنده. أما المواقف العالمية فحسناً أن حسم ترامب موقفه أخيراً، ولكن المسألة تحتاج وقفة أعمق سواء لفهم الموقف الأميركي أو تحليل المواقف الأوروبية.