سارا ميلر لانا 

ما كاد إيمانويل ماكرون يفوز بالرئاسة الفرنسية حتى تكاثفت غيوم الشك في قدرته على الحكم، وقد اعتبر كثيرون أن الاختبار الحقيقي قد تمثل في محاولة رجل بلا حزب سياسي الفوز بانتخابات تشريعية لينفذ قائمة أولوياته في الإصلاح، ولكن أصغر رؤساء فرنسا سناً على الإطلاق تمكن من تصدر نتائج هذه الانتخابات التشريعية، التي أجري دورها الأول يوم الأحد الماضي، وبعد جولتي التصويت في 11 يونيو و18 يونيو يستطيع ماكرون ضمان الفوز بأغلبية في الجمعية الوطنية.

فما الذي تغير بالضبط في شهر؟ من المؤكد أن ماكرون ما زال يستمتع بشهر عسل لم يضطر فيه إلى اتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية في الداخل، والانتخابات التشريعية تميل عادة لأن تكون في صالح الرئيس المنتخب حديثاً، ولكن الشهر الأول لماكرون اعتبر قوياً وبلا شائبة إلى حد بعيد، خاصة فيما يتعلق بعمله على الساحة الدولية، ففي أول زيارة لماكرون إلى برلين، وضع نفسه على قدم المساواة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد أن كانت فرنسا تعتبر هي الجانب الأضعف في العلاقة الألمانية الفرنسية منذ سنوات، وحين استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فرساي، انتقد ماكرون بشدة اثنتين من المنصات الإعلامية الروسية ووصفهما بأنهما ضالعتان في «دعاية مضللة»، وكذلك مصافحته القوية للرئيس دونالد ترامب في قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» في بروكسل الشهر الماضي -وهي ما قال إنه قصدها عامداً- مثلت انتصاراً رمزياً لخصوم ترامب حول العالم، وحين انسحب ترامب لاحقاً من اتفاقية باريس للمناخ، ناشد ماكرون العلماء الأميركيين مخاطباً إياهم بالإنجليزية طالباً منهم التعاون مع فرنسا ومتهكماً على ترامب: «إننا جميعاً نتقاسم المسؤولية في أن نجعل كوكبنا كوكباً عظيماً مرة أخرى!».

وفي أعقاب الحملة الانتخابية، أشاع ماكرون إحساساً بالأمل في استعادة النفوذ الفرنسي على الساحة الدولية. ويعتقد «جيروم فوركيه»، رئيس قسم استطلاعات الرأي السياسية في «المعهد الفرنسي لاستطلاعات الرأي»، أن الرسالة التي ينقلها ماكرون بسيطة ومفادها أن «فرنسا تعود إلى المسرح الدولي»، ولكن الخوض في الهموم المحلية سيكون هو تحدي ماكرون الأكبر في ظل وجود مزاج عام متمرد وسط الناخبين الفرنسيين. ولكن هذا المزاج الثوري يصب أيضاً في صالح ماكرون حتى الآن. فمن المتوقع أن يفوز حزب «الجمهورية إلى الأمام» الذي أسسه ماكرون وفقاً لاستطلاع رأي لشركتي «أبسوس وسوبرا- ستيريا». ويأتي بعده في الترتيب، ولكن بفارق كبير، حزب الجمهوريين من يمين الوسط ليحصل على 23% ثم حزب الجبهة الوطنية الذي تنتمي إليه مارين لوبن ليحصل على 17%. ومن المتوقع أن يمنى الاشتراكيون بهزيمة أخرى في الانتخابات فلا يحصلون إلا على 8.5%. والتقدم الذي يحققه حزب «الجمهورية إلى الأمام» في الجولة الأولى قد يدفعه إلى الفوز في الجولة الثانية بأكثر من 380 مقعداً من بين 577 مقعداً يجري التنافس عليها. ويعتقد «إدوار ليسيرف» القائم باستطلاعات الرأي في مركز «كانتار بابليك» أن هذا جزء من عملية التحول الجارية في الواقع السياسي التي بدأت مع الانتخابات الرئاسية.

وقد أحسن ماكرون التعامل مع البيئة السياسية الجديدة. فقد شكل حكومة من اليمين واليسار كما تعهد بذلك. وحزب «الجمهورية إلى الإمام» الذي بدأ باعتباره حركة اجتماعية يتمتع بأكبر قدر من المشروعية حين يتعلق الأمر بوعود التجديد. فقد حافظ ماكرون على وعوده الانتخابية ليمثل الوجه السياسي الجديد للبلاد، فنصف المرشحين في الجمعية الوطنية من النساء ونصفهم لم يتم انتخابهم لمنصب من قبل.

ويعتقد محللون أن الفرنسيين يسعون إلى التغيير ولكنهم أيضاً مرتبطون بالعهود الماضية. والتغير السياسي الذي حدث العام الجاري كان سببه ببساطة الإحباط من افتقاد فرنسا لعظمتها السابقة ولزعيم قوي يمثلها أحسن تمثيل، وهذا ما جعل إشارة ماكرون إلى القيادة القوية من ضمن نقاط قوته في حملته الانتخابية. وقد علق كثيرون آمالاً عليه بأن يستطيع استعادة المهابة إلى الرئاسة الفرنسية بعد خيبة الأمل من عدم شعبية السابقين عليه، وأن يمنح فرنسا مكانة استراتيجية على المسرح الدولي، ويعيد صياغة السياسة أيضاً في أوروبا. ويعتقد «إدوار ليسيرف» أن ما يفعله ماكرون في فرنسا «يتردد صداه في أماكن أخرى في أوروبا. سيصبح نموذجاً للسياسيين الشبان. الكل يريد أن يكون ماكرون الجديد».

* رئيسة مكتب كريستيان ساينس مونيتور في أوروبا

ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور