محمد عبدالله العوين

للأزمات وجهها الأبيض أيضاً، فما من ضيق ونكد إلا وخرج منه العقلاء بدروس وحكم ومواعظ.

الحماقة تعلم الحكمة، والصفاقة تمنح الراشدين دروسا في حسن التصرف وفرصة لكشف المستور مما لن يظهر إلا في فورات الطيش والحمق وعدم القدرة على ضبط النفس.

ما منا من يفرح بأن تحل بدار صديق أو جار ملمة؛ فكيف به لو كان أخا وشريكا في الحسب والنسب والدين؟ ليس من أخلاقنا التقلب في المواقف، أو التنكر للخلان، أو السعي للتضييق على القريب؛ بل إن مما جبلنا عليه نصرته وإغاثته إن استنصرنا أو استغاثنا، وهو ما سطره التاريخ في صفحاته القريبة التي لا ينكرها إلا جاحد؛ حين ألمت بالكويت الشقيق جائحة غزو الجار وغدره به.

إن من طبائعنا الغوث والنصرة والعون ؛ لا التضييق والإعنات والمشقة كما يبدو في ظاهر الأمر لمن يتابع أزمة حكام قطر، وما يلحق بإخواننا أبناء قطر من أذى أو ضيق أو عنت ومشقة في السفر أو التنقل أو نقص في الوفرة الغذائية فالمتسبب فيه وصانعه وجالب الأذى والضيق إليهم حكامهم الذين خانوا حقوق الأخوة والجوار والنسب والحسب وقيم الدين والمروءة والأخلاق .

كيف بك أخي القطري العزيز لو أن أحدا من أصدقائك المقربين أو حتى إخوانك المحبين أظهر لك من صنوف المودة وعذب الكلام وجميل المشاعر ورقيق العبارات ولطيف البسمات ودافئ الجلسات ما يبعد عنك كل ريبة في طوية خائبة تسكن جوانحه تجاهك ؛ ولكنك تفاجأ وبدون أن يخطر لك على بال أن أفعاله تخالف أقواله، وأن ما يبطنه غير ما يظهره، وأنه يصافحك باليمين ويطعنك بالشمال، وأنه يهدم ما تبني، وينقض ما تفتل، وينصر أعداءك وكارهيك والمتربصين بك عليك، وينقل لهم ما يسمع منك؛ فهو عين لعدوك عليك، وأذن منصتة تتتبع الهمسة التي تدل على نقطة ضعف فيك ليستغلها أعداؤك، أخ لدود يفرح لضعفك، ويحزن لقوتك، ويشمت لانكسارك، تحار فيه بادئ الأمر : هل هو عدو أم صديق؟ أخ قريب أم غريب بعيد؟ محب أم كاره؟ صدوق أم كذوب؟ معين لك أم معين عليك؟ ناصر لك أم منتصر عليك؟ طامع في قربك ومحبتك أم طامع في ملكك وثروتك؟ تحار والله في تعريف هذا الصديق اللدود المتقلب المتلون المتبدل المتغير الذي لا تعرف له مذهبا ولا طريقا ولا سلوكا واحدا أو رأيا يستقر عليه في أية مسألة ؛ فإن قابلك اليوم واتفقت معه على أمر من الأمور الملتبسة الشائكة ووقع على الأوراق وأدلى بالتصريحات التي لا يمكن إلا أن تؤكد وقوفه إلى جانبك تفاجئك الأخبار المتقاطرة في السر وفي العلن أنه ينقض ما اتفق معك عليه واحدة واحدة، وأنه يعين عليك العدو ولا يعين العدو عليك ؛ بل قادته طويته الرديئة الخسيسة أن يمد أعداءك بما يحتاجون من المال والسلاح ؛ لتطول مصاولتك لهم وكرك وفرك معهم .

لا . بل إنك لا تكاد تصدق ولا يمكن أن يخطر لك على بال أن تجد الأيام التي أخفت ما أخفت تكشف لك المخبأ من نوايا هذا الأخ اللدود أو الصديق العقوق فتتسرب إلى مسامعك ما لا يمكن أن تصدقه ؛ تسمعه يتحدث متآمرا في تسجيل طارت به المواقع في الإنترنت فشرقت وغربت ؛ تسمعه يتحدث بمنكر من القول وبفحش من النوايا الخبيئة الخبيثة فلا تنكر صوته ولا تشك أبدا في لهجته ولا لكنته ولا تمنيه حين يتأوه منتظرا سقوطك ونهايتك بعد اثني عشر عاما؟!

يا للهول ؛ يتآمر عليك ليقضي عليك ويجعلك أثرا بعد عين؟!

كيف يمكن أن يضع عينه في عينك ويده في يدك بعد كل ما ذاع وشاع من رذيل القول وفاحش التمني؟!

أكثير عليك بعد كل هذه الخيانات مقاطعته والنأي بنفسك عنه وكشف سوءاته إلى كل العالم للخلاص منه؟!

وتحمد الله أن للخيانات أيضا وجهها الأبيض!