إسماعيل ياشا 

خرج رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، الخميس الماضي، في مسيرة من العاصمة التركية أنقرة إلى مدينة اسطنبول، يحمل في يده لافتة كتبت عليها كلمة «العدالة»، للاحتجاج على اعتقال أحد نواب حزبه في قضية «شاحنات جهاز الاستخبارات التركية».
المحكمة دانت النائب عن حزب الشعب الجمهوري، أنيس بربر أوغلو، في تلك القضية، وحكمت عليه بالسجن 25 عاماً لتسريبه وثائق سرية وإفشاء أسرار الدولة. ويعود أصل القضية إلى قيام مدعٍ عام موالٍ للكيان الموازي بتفتيش شاحنات تابعة لجهاز الاستخبارات التركية، وتصوير الأسلحة المرسلة إلى بعض فصائل الثورة السورية، وتسريب تلك الصور والمقاطع إلى صحيفة «جمهوريت» التركية لنشرها قبيل الانتخابات البرلمانية، وكأنها أسلحة مرسلة إلى تنظيم داعش الإرهابي.
رئيس تحرير الصحيفة التي نشرت التقرير، جان دوندار، هرب إلى ألمانيا بعد أن أفشى أسرار الدولة، إلا أنه قبل هروبه خارج البلاد اعترف في كتابه بأنه حصل على الصور والمقاطع من صديقه النائب أنيس بربر أوغلو. وبناء على هذا الاعتراف، تم اعتقال الأخير.
القضية التي قضت فيها المحكمة على النائب بربر أوغلو متعلقة بالتجسس والخيانة وإفشاء أسرار الدولة، وكذلك متعلقة بالانتماء إلى الكيان الموازي والعمل لصالحه. وهذا يجعل مسيرة كيليتشدار أوغلو من أنقرة إلى اسطنبول مسيرة دعم لتنظيم إرهابي يعمل ضد تركيا لصالح أجندات دول أجنبية.
وسائل الإعلام الموالية لحزب الشعب الجمهوري، منذ تولي كيليتشدار أوغلو رئاسة حزب الشعب الجمهوري تسعى إلى تلميعه وتشبيهه بـــ»مهاتما غاندي»، قائد العصيان المدني ضد المحتل البريطاني في الهند، كما تشبه اليوم مسيرته بــ»مسيرة الملح» التي قادها غاندي احتجاجاً على الضرائب والقوانين البريطانية الظالمة.
الزعيم الهندي سار في 1930 حوالي 400 كم من أحمد آباد إلى قرية داندي الساحلية، واستمرت المسيرة 24 يوماً، وانضم إليه على طول المسيرة أعداد كبيرة من الهنود. ومن المقرر أن يسير رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي حوالي 400 كم حتى يصل إلى اسطنبول. ولذلك يقول أنصار حزب الشعب الجمهوري إنها مثل «مسيرة الملح». إلا أن هناك فرقاً كبيراً بين «غاندي الأصلي» و»غاندي الزائف»، كذلك بين المسيرتين، لأن الأول ناضل وسار من أجل استقلال بلاده وتحريرها من الاحتلال البريطاني، وأما الثاني فيناضل ويسير من أجل تحريض الدول الأخرى على التدخل في شؤون تركيا. 
الكشف عن عمليات جهاز الاستخبارات وأسرار الدولة يعد خيانة عظمى في جميع دول العالم. وتبحث السلطات التركية الآن عن الأشخاص الذين سلَّموا بربر أوغلو تلك الصور والمقاطع والوثائق. وتمت محاكمة الرجل وإدانته وفق القوانين، بعد أن ثبت تورطه في الجريمة، كما أن قرار المحكمة ليس نهائياً، بل هناك فرصة للاعتراض عليه في محكمة التمييز. وإن كان كيليتشدار أوغلو يريد العدالة، فليبحث عنها عبر الطرق القانونية، وليثبت براءة نائب حزبه في المحاكم.
التحاكم إلى الشارع في مثل هذه القضايا دليل على الإفلاس السياسي، ومحاولة الهروب إلى الأمام، لأن الطرق القانونية مفتوحة للبحث عن العدالة. وهناك سؤال يطرح نفسه: «هل يقوم كيليتشدار أوغلو بهذا التصعيد للتغطية على مسؤوليته في جريمة تسريب أسرار الدولة، ويخاف من أن تناله يد العدالة؟».;