عبدالله بشارة

 في إطلالة نادرة يقف الشيخ ناصر صباح الأحمد الجابر، وزير شؤون الديوان الأميري، أمام حشد من الإعلاميين في مسرح اليرموك، ليكشف الستار عن آماله حول الكويت عام 2035، التي رسم لوحتها في تلاقي جزر الشمال فيلكا وبوبيان لتشكل أرضية المستقبل ذات الجاذبية الاستثمارية إقليمياً وعالمياً، في أكبر خطوات الكويت لتخفيض الاعتماد على النفط، مع إيجاد منبع حيوي لضمان حياة المستقبل.
أعرف الشيخ ناصر منذ زمن بعيد، وأرصد تصريحاته القليلة، وأعرف تعففه الطبيعي عن بهرجة الإعلام، وميله نحو التأمل في غموض الدنيا، التي يجد ما يأسره منها في الإشكالية الثقافية في الهند، وفي جوارها في الهمالايا، وفي أعماق وديان الصين.
أتصور الشيخ ناصر وهو ماسكاً المايكرفون بيده على خشبة مسرح، يستلهم أمام ذلك الجمهور محتويات من أحضان الهند والصين، ومن تشكيلات تعيش في وديان الحرير وقمم جبال آسيا الوعرة، وما يعني ذلك من صلابة شعوب تلك المناطق، الذين ظلت أياديهم يدميها الشقاء والكفاح لدهور من الزمن، لكنهم تسيدوا كما نراهم الآن في حاضرة الهند، وتحدي الصين.
وباستحضار هذا الوحي التاريخي، يستند الشيخ ناصر إلى ماضي الكويت، الذي أدمت فيه أيادي أبنائها بحثا عن حياة أفضل، منطلقها البحر وسواحله، كما سماها ثقافة الميناء، وهي بمعناها استخراج الحياة من باطن البحر بشقاء مؤلم وعرق يتصبب.
قرأت ما نشرته الصحافة عن أحلام الشيخ، لا سيما ما جاء في صحيفة الأنباء، التي حملت التغطية المكثفة، وسعدت جداً بالروح المنعمة بالإصرار على أن مشروع كويت 2035 سيرى الحياة، التي سيسطع نورها في عيون الكويت المتجددة، التي مهما تاهت، عندما جرفها النفط بعيداً عن بحرها، تعود إلى جذور مولدها وموطنها الأصلي الذي يؤمن لها إدامة معيشة مرضية.
وبكل صراحة أجد في الشيخ ناصر، وفي حمله هذا المشروع المعقد، عزماً على مقارعة المستحيل، فهو مثلنا على إدراك تام بواقع الكويت، التي تراكمت عليها قوى الاسترخاء التي أطلقها النفط، ليست في حياة الفرد فيها فقط، وإنما تسلل هذا الاسترخاء إلى ضلوع معظم مؤسسات الدولة، وتمدد فيها ليصيب جميع أبنائها، وكل ذلك خلق بيئة رخوة، فيها استسهال القانون وتحقير للانضباط وكراهية للجدية التي قد تطلبها شروط حياة المستقبل.
ومن خلاصة أقواله في اللقاء الجماهيري، يدرك الشيخ ناصر أن في الحياة شيئاً نسميه قانون الضرورة، فلا مفر وفق هذا القانون من المواجهة مع الصعاب.
نحن جميعاً على معرفة بآليات اتخاذ القرار كما نعيشها، وعلى علم بحجم الخوف من المجهول، الذي دائماً يلازم أي قرار فيه نزعة التجديد، وفيه مسعى للخروج من تركة حياة الحاضر.
لكنني سأرافق الشيخ ناصر في رحلته مع أمواج المستقبل التفاؤلي، وأطلب منه أن يبحث عن ثلاث ضرورات جوهرية، قد تعينه في تحويل مشروعه من حلم إلى حقيقة.
أولاً: أن يضمن الشيخ ناصر تصرف السلطة وفق شروط المشروع باتخاذ كل الخطوات اللازمة لتوفر فرص النجاح داخلياً وخارجياً، في الداخل عزل إقليم المستقبل عن قوانين الكويت الداخلية، وإخراج هذا الإقليم من أثقال الضوابط المطبقة في الدولة، وإحاطة المشروع بحماية آمنة على طريقة هونغ كونغ، وغيرها من المناطق المحصنة، لكي لا تتسلل إليها قواعد العيش في العاصمة.
وخارجياً، حتمية الانفتاح على مستلزمات الشراكة العالمية في احتياجاتها، وفي الإنصات إلى مواقفها وإعطائها الحق في إدارة المنطقة، من دون ذلك لن يضع أي طرف من المستثمرين أمواله وجهده في مشروع يتعرض لهزات من أمزجة متقلبة.
ثانياً: أن يتلازم ذلك مع سند القانون، الذي يجب أن يأتي من الهيئات التشريعية بالشرح والتلقين والتثقيف حول المستقبل، وتشريح طبيعة المشروع لاقناع الرأي العام بأن الهدف إبعاد مخاطر انحسار النفط وتضاؤل مخزونه مع مرور الزمن.
هذه ليست مهمة سهلة، وإنما بحاجة إلى تعبئة طاقات السلطة بكل ما تملك لتمرير القوانين من دون تعرض المشروع للمزاجية النيابية، وتنافس التجمعات الحزبية ومزايدات الأيديولوجيين، الذين سيشهرون كارت الوطنية والحرص على التراث.
ثالثاً: سند المجتمع الذي لا بد من وقوفه مع المشروع، وتجنيد كل الطاقات، وأبرزها التجمعات الأهلية التي يجب أن ينصب عملها على إحياء العودة إلى المراسي، التي اعتادت سفن الكويت المبيت فيها، كمنطلق تعايش معه الكويتيون لأكثر من قرنين قبل النفط، مع تعبئة لمنظمات المجتمع المدني والنقابات، لكي يترسخ المشروع في عروقها، كمسار وطني إلزامي لا مفر منه.
وفوق ذلك لا بد من تحضير المزاج الشعبي بمختلف أطيافه لهذه النقلة المستقبلية الثقيلة.
منذ 155 سنة قدمت شركات الكويت نماذج لاستقلال الجزر، تمثلت في تقديم عروض في قصر بيان، شاركت فيها عدة شركات كويتية، وحضرت شخصياً ذلك العرض المقترح، ومثل غيره من المقترحات تبدد المشروع وتلاشت الفكرة وابتعد الحلم.
على الشيخ ناصر أن يتقمص الفدائية التي يتطلبها المشروع، ويردد أن مشروع الجزر هو البوابة الاقتصادية والثقافية للكويت، الذي ينال مباركة سمو الأمير، وتلتزم به حكومة سمو الشيخ جابر المبارك الصباح، ويبشر بها الشيخ ناصر صباح الأحمد الجابر وزير شؤون الديوان الأميري، وفقه الله في كل خطواته، فأحلام اليوم قد تكون واقع الغد.