أمل عبد العزيز الهزاني

 تمتزج قضايا منطقة الشرق الأوسط وتتداخل حتى لا يمكن لأي مراقب أن يستبعد الأحداث المتلاحقة في الخليج عن غيرها في ليبيا أو سوريا أو تركيا أو حتى أوروبا. المصالح تشعبت والتهديدات تتسرب من عقب الأبواب الموصدة.
أزمة قطر الداخلية والخارجية كشفت مع مرور الأيام ما لم يكن في الحسبان. قرار القطيعة الذي أعلنته السعودية والإمارات والبحرين ومصر كان مسوغا بالتطفل القطري على الشؤون الداخلية لهذه الدول ودعم الإرهاب وإيواء إرهابيين. لكن هذه العبارات كانت عناوين لحقائق مريعة تتكشف كل يوم، وظهور أسماء لشخصيات قطرية متورطة في القمع الداخلي للمواطنين المناهضين لسياسة قطر الخارجية، وأسماء لشخصيات أخرى كانت على علاقة وطيدة بميليشيات إرهابية قدمت لهم الدعم مباشرة من خلال الإسلامويين الذين برعوا في دور وسطاء الخير، وغرروا بالناس لجمع الأموال وتوصيلها إلى مناطق الصراع، وكذلك لتأسيس مناطق صراع جديدة وفق الأجندة القطرية.
وحتى يمكن فهم البعد الاستراتيجي لقرار المقاطعة، لننظر لمن ساءهم هذا القرار، وضرب على صدره منافحا مدافعا عن الدوحة؛ تنظيم القاعدة وسليلة مجده الدموي جبهة النصرة، وبالتأكيد جماعة الإخوان المسلمين الذين هم أصل البلاء والمشكلة ومنهم حزب التجمع الوطني للإصلاح؛ فرع الإخوان في اليمن، إضافة إلى دول سيئة السمعة مثل إيران التي لها باع طويل في العدوان والإرهاب، وموصومة دوليا بأنها تمارس القمع على مواطنيها والعدوان على كل أرض تطأها، كالضباع التي تعيش على الجثث ورائحة الدماء. الموقف التركي أيضا لم يمكن مفاجئا باصطفافه مع قطر المدانة بدعم الإرهاب، نظرا للعلاقات التركية القطرية التي توثقت بشكل غير مسبوق بفعل الثورات التي اشتعلت في المنطقة منذ 2011. وكان أساس هذه العلاقة دعم جماعة الإخوان المسلمين التي ترى في شخص الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خليفة المسلمين المنتظر. وليس هناك بأس في نسج الأحلام والتعلق بالأمنيات، إن لم يلحق الضرر أولئك الذين ينتهجون سياسة واضحة ترفض تحزبات تأتي من تحت الطاولة أو التعامل مع دول متعددة الأوجه. وتركيا بكل أسف منحازة إلى قطر، ومواقفها متناقضة.
من السهل فهم الموقف الإيراني الذي يستعدي كل موقف سعودي، فالعداء بين الدولتين كما ذكرت سابقا ليس تاريخيا فقط، بل أبديا أبد الدهر. لكن الموقف التركي محير فعلا لأسباب يأتي على رأسها، أنها تدافع عن دولة أثبتت الدلائل ضلوعها في دعم الإرهاب، وفي الوقت نفسه تحاول إقناع العالم أن حزب العمال الكردستاني حزب إرهابي، وأن «وحدات حماية الشعب» المنبثق من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا هو حزب إرهابي، وتستنكر دعم واشنطن له بالسلاح وثقتها الكبيرة به.
إن كنا ننظر للإرهاب بأكثر من عين واحدة فلن يكون هناك استقرار في المنطقة. الإرهاب هو الإرهاب أيا كان مصدره وضحاياه. ماذا لو قامت الدول المقاطعة لقطر بالرد على الموقف التركي بأن تساند الموقف الأميركي من قوات حماية الشعب في سوريا، وأنها تؤيد منحه مزيدا من الأسلحة النوعية كما حصل قبل أيام من واشنطن؟
الحديث عن مشروع استقلال الأكراد بات مؤخرا حديثا جديا بعد أن كان يتراجع لمراتب متأخرة منذ سقوط صدام حسين في 2003، بسبب أولوية قضايا استقرار العراق السياسي والاقتصادي والقضاء على تنظيم القاعدة، ورغم ما لحق بالأكراد من ظلم واضطهاد وتشريد خلال توزيع التركة العثمانية، لكنهم اليوم يرون أنهم أقرب لتحقيق حلمهم. وبالنظر إلى خريطة دولة كردستان المأمولة من الأكراد يمكن اعتبارها تشكل هلالا يمر عبر أربع دول، بداية من إيران ثم يمتد حاجزا العراق وسوريا عن تركيا وحتى نقطة عبور مائية على ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ دولة مفتوحة وغنية بكل الموارد على سطح وباطن الأرض. كل نقاط العبور لهذه الخريطة يقابلها رفض الدول الأربع؛ إيران والعراق وتركيا وسوريا. لكن بطبيعة الظروف في الماضي القريب والراهنة، يمكن القول إن القيادات الكردية لعبت دورا مهما وحضورا إيجابيا بالتعاون مع القوى الدولية لدحر تنظيم داعش، وهذه الجهود أخذت في الاعتبار ومنحت الأكراد تقدير وثقة الدول المكافحة للإرهاب، وكان دورها واضحا بشكل جلي في منطقتين؛ من خلال قوات البيشمركة التي تعاونت مع التحالف الدولي لتحرير الموصل في العراق، وقوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا، التي قدمت نفسها كأبرز قوة برية مدربة ومنظمة في التحالف الدولي، ونالت ثقة ورضا واشنطن رغم المحاولات المستميتة من أنقرة لتحجيم دورها. كما أن القادة الكرد يمتازون بالحصافة وقراءة المستقبل، لذلك لم يتردد صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي عن إعلان موقفه من الأزمة القطرية، وأنهم ضد سياستها الداعمة للإرهاب مثلها مثل إيران وتركيا، بحسب وجهة نظره.
أما في إيران، فالأكراد مثل كثير من القوميات المقموعة التي نالها ما نالها من ظلم وتضييق، ومثل تركيا، فإن أي استقلال للأكراد في أي دولة من الدول الأربع يعني تهديدا للبقية، مما قد يثير شهية بقية القوميات لطلب الاستقلال ونشوء نزاع أهلي في كل هذه البلدان، إن لم يصل إلى حد فقدان بعض أراضيها، فالأكيد أنه سيؤثر على استقرارها السياسي.