جيمس ماكولي 

كان من المتوقع أن يفوز إيمانويل ماكرون بأغلبية كبيرة في الانتخابات البرلمانية الفرنسية التي أجريت يوم الأحد الماضي، حيث أظهرت استطلاعات الرأي فوزاً كبيراً لحزب «الجمهورية إلى الأمام» الوسطي الذي أسسه قبل أكثر من عام.

وعلى رغم أن هذه النتائج كانت متوقعة بعد إجراء الجولة الأولى من التصويت الأسبوع الماضي، فإن صعود حزب ماكرون المؤيد لأوروبا والمنحاز لقطاع الأعمال يمثل مرحلة فاصلة في الحياة السياسية الفرنسية الحديثة. ففي نظام لم يكن يحكمه سوى يسار الوسط أو يمين الوسط، يعد تصويت يوم الأحد الماضي بداية لطريق ثالث فرنسي، أي حكومة من تيار الوسط وهو ما كان يوماً ما يبدو شبه مستحيل.

وكان من المتوقع أن يفوز حزب «الجمهورية إلى الأمام» بزعامة ماكرون بـ355 مقعداً على الأقل من إجمالي 577 مقعداً في الجمعية الوطنية الفرنسية، وفقاً لما ذكرته معاهد الاقتراع الفرنسية. وعلى رغم أن الأرقام لم تكن بالارتفاع الذي كان متوقعاً في البداية -واقتربت نسبة الناخبين الممتنعين من تسجيل رقم قياسي- فإن هذا النصر يمثل ظهوراً لقوة سياسية جديدة مؤثرة في فرنسا.

وبعد عام شهد انتصارات تاريخية للحملات الشعبوية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة، نظر إلى انتخاب ماكرون في شهر مايو الماضي على نطاق واسع باعتباره رفضاً للاتجاه الشعبوي العالمي. فقد اختار الناخبون الفرنسيون زعيماً يصف نفسه بأنه «ليس يمينياً ولا يسارياً». واعتباراً من يوم الأحد، وضعت فرنسا ثقتها في البرنامج السياسي الطموح، وإن لم يختبر بعد، الذي يحمله ماكرون، لتعطيه تفويضاً مطلقاً نادراً للوفاء بوعده بـ«تجديد الحياة السياسية».

ويقول «دومينيك مويسي»، مستشار السياسة الخارجية في معهد «مونتين»، وهو مؤسسة بحثية قريبة من حملة ماكرون، إن «الفرنسيين في أغلبيتهم يريدون إعطاء فرصة لماكرون، وهذا يعكس حكماً عليه منذ الأسابيع الأولى له في السلطة». واستطرد: «لقد انتخبوه، ولم يكونوا واثقين في البداية، ولكنهم بعد ذلك لمسوا أنه كان يجسد الجمهورية أفضل من رئيسهم السابق».

وفي البداية، واجه ماكرون الرئيس دونالد ترامب أثناء مصافحة استمرت ست ثوانٍ وانتقد علانية قرار نظيره الأميركي بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، ودعا -بلغة إنجليزية سلسة- علماء المناخ والباحثين الأميركيين إلى الانتقال إلى فرنسا، ثم أطلق شعاراً يتلاعب بشعار حملة ترامب: «فلنجعل كوكبنا عظيماً مرة أخرى».

وبعد عدة أيام، وقف ماكرون في قاعات قصر فرساي الجذابة خارج باريس بجوار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. واستغل ماكرون، 39 عاماً، وهو أصغر رئيس فرنسي في التاريخ الحديث، المؤتمر الصحفي الذي عقد لاحقاً لانتقاد وسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة مثل «سبوتنيك» و«روسيا اليوم»، باعتبارهما «أجهزة نفوذ ودعاية».

ولكن في الوقت نفسه، فإن انتخابات فرنسا، التي اختتمت يوم الأحد بالجولة الثانية والأخيرة من التصويت للمرشحين البرلمانيين، كانت أيضاً مختلفة تاريخياً، حيث لم يصل من قبل امتناع الناخبين عن التصويت إلى مثل هذه النسبة المرتفعة للغاية، لتبلغ ما يقرب من 58%، بحسب ما ذكرت استطلاعات الرأي عقب الانتخابات. وهذا يخصم من شعبية ماكرون التي لم يسبق لها مثيل.

وعلى مدى أسابيع، كان المحللون السياسيون يتكهنون بأن بعض إصلاحات السوق التي اقترحها ماكرون -وترمي إلى تحريك الاقتصاد الراكد مع أنه ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا- ستؤدي فقط إلى احتجاجات مشابهة لتلك التي شهدتها السنوات الأخيرة عندما كانت الحكومات السابقة تسعى إلى تخفيف القيود الصارمة التي تفرضها فرنسا على حماية حقوق العمال.

وفي سبتمبر المقبل، من المتوقع أن يفرض ماكرون مشروع قانون يتعلق بإصلاح نظام العمل من خلال البرلمان ما من شأنه، من بين أشياء أخرى، أن يعطي الشركات السلطة لتمديد ساعات العمل وتعديل الأجور وفقاً لكل حالة على حدة.

* مراسل «واشنطن بوست» في باريس

«واشنطن بوست وبلومبيج نيوز سيرفس»