علي سعد الموسى

صورة الشهر الفضيل التي لن تبزها أو تنافسها أي لقطة فوتوغرافية هي تلك التي قالت عنها مجلة «photo review» المتخصصة، إنها ذروة التسامح والتعايش، فما هي هذه الصورة؟ إنها لقطة فوقية لمائدة إفطار رمضاني بالغة البساطة لسكان قرية هندية قام بها «هندوس» القرية تكريماً لمسلمي قرية تتعايش فيها هاتان الديانتان. هذا العالم الفسيح بأسره يعيش من حولنا وفوقنا ومن تحتنا محتفياً باختلافاته وسامياً بتنوعه وتباين أديانه وثقافاته. بانياً حضاراته المدهشة ليترك لنا في هذا العالم العربي المسلم ثقافة التدمير والإرهاب والقتل. لازلنا، ومنذ أن عرفت أبجدية الكلام نلعن كل مختلف ثم نؤمن على الدعاء منتصف الخطبة الثانية كل صلاة جمعة، وكأننا لم نقرأ خطبة الوداع لسيد الخلق، جرِّب أخي مجرد أن تحصي الجماعات والملل والطوائف التي تنادي بالقتل والسحل في المساحة الكبرى ما بين «بوكو حرام» في أقصى الغرب النيجيري، إلى جماعة «أبوسياف» في شرق الفلبين ثم تخيل: ماذا سيخسر هذا العالم لو اختفت كلها في ظرف أسبوع قصير واحد. صار صعب جداً جداً أن أكتب ضد آلة الإرهاب والقتل: من هو الأعلى كعباً في خدمة المنجز البشري والحضارة الإنسانية؟ هل هو أبوبكر البغدادي أم مخترع «أنسولين» السكر الذي أنقذ ملايين الأرواح من الموت البطيء. هل هو أيمن الظواهري المختبئ في كهف لتهريب خطب الموت، أم هو مخترع عقار التخدير لغرف العمليات كي يستيقظ ملايين آخرين إلى أكسجين الحياة.
صورة القرية الهندية اليوم حياة تذكرني بكل شيء. في مقاطعة «كولونيا» الألمانية، تقدم حاكم المقاطعة مفتتحاً مسجد كولون الذي كان تحفة معمارية مدهشة، عبر بصورته الرائعة كل فضائيات العالم، وتحدث عنه آلاف مهندسي التصميم. اكتبه على محرك البحث لتكتشف فيه واحدة من أجمل منارات مساجد الكون، احترم حاكم المقاطعة شعور المسلمين واكتفى بافتتاح التحفة الهندسية من الحديقة، وهو يقول لهم: أنتم جزء أصيل من المكون الألماني وتستحقون أكثر مما نقف عليه اليوم.
كنت شتاء العام الجاري زائراً لمصنع «بوينغ» في سياتل الأميركية حيث يقول لنا قائد الزيارة ومرشدها: تحت هذا السقف الهائل تجتمع كل الأديان والشعوب ولكل مكان عبادته بحرية تامة. حولوا الاختلاف الهائل إلى مصدر قوة بينما نحن نعيش ولكل قرية مذهب، ولكل مذهب حروبه الطاحنة مع مجاوريه. وحين يعترف خطيب بيننا أننا وصلنا إلى قاع الانحطاط لا يعطينا من الحلول إلا ما كان الداء والسبب. شتم وتصنيف وإقصاء. أنا لم أكتب العنوان بعاليه ولا دخل لي فيه باختراع حرف منه، هو أشهر كتاب لأشهر عالم منذ خمسين سنة. تقرؤه اليوم من جديد لتقول: لقد شخص العلة... أو... لعلَّه بنفسه العلَّة.