عبدالله بن بجاد العتيبي 

في يوم الجمعة المبارك، وفي شهر رمضان المبارك، وفي العشر الأواخر منه، امتدت يد الغدر والإرهاب لتنال من طمأنينة المؤمنين في أقدس بقاع الأرض، واستهدفت الكعبة الشريفة والمسجد الحرام بمكة المكرمة، وسعت لقتل المسلمين الركع السجود، في عمليةٍ إرهابيةٍ بشعةٍ تمكّنت قوات الأمن السعودية من إحباطها والقضاء عليها في مهدها.

لوضع الحدث البشع في سياقه فإن هذه الجريمة تأتي بعد قمم الرياض الثلاث وإجماع أكثر من خمسين دولة مسلمة مع الولايات المتحدة الأميركية على مواجهته بشكلٍ مبرم والقضاء عليه وكسب المعركة ضده، فكانت المواقف السياسية للسعودية والإمارات واضحةً في قطع العلاقات مع إيران الخمينية راعية الإرهاب الحديث بكافة أشكاله، وكانت الدولتان قد صنفتا من قبل جماعة «الإخوان» جماعة إرهابية، وبعد القمم الثلاث قامت الدولتان وحلفاؤهما بقطع العلاقات مع قطر، فانتبهت الدول الراعية للإرهاب إلى أنها ستقع في شرّ أعمالها، فاتجهت لتصعيد الإرهاب. شعرت هذه الدول بقرب يوم الحساب فاختارت الهروب إلى الأمام، ولذلك كان متوقعاً أن تزيد وتيرة العمليات الإرهابية، ولكن أحداً لم يتوقع أن يصل فجور هذه الدول والجماعات والتنظيمات إلى هذا المستوى الإجرامي الذي يخدش إيمان المؤمنين باستهداف أقدس مقدساتهم.

تاريخياً، لم يجرؤ على استهداف الكعبة سوى إبرهة الحبشي والحجاج بن يوسف والقرامطة المجرمون، ولكن الإرهاب المعاصر تفنن في استهداف الحرمين الشريفين، ففي منتصف السبعينيات قامت جماعة «الإخوان المسلمين» في الحج بتجميع فلول تنظيمها الإرهابي، وهي التي فرّخت جماعات العنف الديني في السبعينيات كجماعة «الجهاد» والفنية العسكرية وجماعة التكفير، ومن رحِم هذه الأخيرة جاء التأثير الكبير على جماعة «جهيمان العتيبي» التي استهدفت الحرم المكي الشريف في عملية إجرامية دخلت التاريخ بكل بشاعتها وإجرامها في مطلع العام الهجري 1400 الموافق 1979.

وهي ذات السنة التي نجحت فيها الثورة الخمينية في طهران، والتي وضعت نصب عينيها مهاجمة السعودية واستهداف الحجاج الآمنين في الشهر الحرام في البلد الحرام في مكة المكرمة أكثر من مرة، في 1987 وفي 1989 وفي غيرها، ولم تتوقف إيران عن هذا الاستهداف للمقدسات حتى اليوم.

في 2003 اتفق حمد بن خليفة أمير قطر السابق مع القذافي ومن يسمون بالمعارضة السعودية على محاولة اغتيال ولي العهد السعودي حينها الملك عبد الله بن عبد العزيز بإطلاق صاروخٍ عليه في مكة المكرمة وبجوار الحرم المكي الشريف، وفشل المخطط بقوة الأمن السعودي.

بعد 2003 زرع تنظيم «القاعدة» بعض خلاياه في مكة المكرمة وفخخ المصاحف وحفر بعضها لزرع المسدسات فيه، فلم يراع البلد المقدس ولا الكتاب المقدس، وقد أحبطت عملياته وتم القضاء على خلاياه، والداعمان الأكبران لتنظيم «القاعدة» الإرهابي في السعودية هما إيران ودولة قطر.

دخل تنظيم «داعش» على الخط، وقبل سنةٍ وفي نفس الليلة سعى «داعش» لتنظيم تفجير انتحاري داخل المسجد النبوي الشريف وقتل المصلين، وتصدى رجال الأمن البواسل للانتحاري فكان القتل والإصابات في رجال الأمن.

في أكتوبر 2016 استهدفت حركة «الحوثي» المدعومة من إيران وقطر المسجد الحرام بصاروخ باليستي إيراني أسقطته القوات المسلحة السعودية قبل الوصول لهدفه. هاتان الدولتان وجماعات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني التي تتبعهما لا تقيمان حرمةً لكل المحرمات الكبرى في الإسلام، وجميعهم استحلوا دماء المسلمين والآمنين في كل مكانٍ، واستحلوا استهداف المقدسات، وسياساتهم الثابتة هي دعم كل مشروعٍ يكون هدفه قتل أكبر عددٍ من المسلمين، فرعاية قطر للفوضى بعد ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» علّقت في رقبتها آلافاً من العرب والمسلمين الذين ذهبوا ضحية حلمٍ مجنونٍ لأميرٍ متهورٍ.

أخيراً، حمى الله السعودية من كل كيدٍ، وصان الله قبلة المسلمين ومهبط الوحي ومأرز الإيمان من دول الإرهاب وجماعاته.

وكل عامٍ وأنتم بخير.