سمير عطا الله 

أخيراً رضخت، ليس لأحكام التكنولوجيا، بل لرغبة ابنتي وابني. لا بد من «آيفون» لترسل عليه الصور وأخبار السفر. وعندما بدأت دورة التدرب على الهاتف الجديد، لم يتأكد لي فقط مدى ما فاتني من تطورات تكنولوجية، أنا الذي بدأت استخدام الهاتف يوم كان حمولة سوداء يزيد وزنها على 3 كيلوغرامات، بل تأكد لي أيضا أن لا علاقة لي بمعظم هذه التطورات، إلا صور ابنتي وابني، وهذا أبلغ من ألف سبب.


إنك لا تعرف ما تجهل. والعبقري ستيف جوبس كان يقول: «يجب أن نعلم الناس على ماذا يجب أن تريد». كنت أعيش سعيداً بالتليفون «الأوتوماتيكي الأسود». وسمي أوتوماتيكياً لأن في إمكانك الاتصال مباشرة من بيروت إلى برمانا دون المرور بعاملة السنترال، التي إذا صادف وكانت منهمكة في حياكة كنزة صوف لابنها، تبلغك أن ثمة انتظاراً لساعتين.
صنع لنا ستيف جوبس عالماً خيالياً وحوَّله إلى حقائق إلزامية، بعض ميزاتها لا تقاوم. وكل عام هناك إضافة سحرية جديدة على «الآيفون»، لأن شركة آبل عملها الأساسي أن تبيع، وهي تقدم كل جيل جديد من الهواتف في مهرجان يعود عليها بمئات الملايين في اليوم الأول. وفرحة الشركة في نهاية المطاف ليس بانتصارها العلمي، بل بحاصل الأرباح.
في الستينات، اكتشفت شركات المشروبات الغازية، مثل كوكاكولا وبيبسي كولا، أن الناس قد يخف حماسها مع الوقت لهذا الاختراع، وراحت تبحث عن شراب لا يمل. فماذا يمكن أن يكون؟ طبعاً المياه. ولكنها موجودة في البيوت وفي الساحات وعلى الطرقات. أجل. أجل. ولكنها ليست موجودة في زجاجة تحملها في سيارتك، أو لتضع الصناديق منها في مكتبك.
كان لا بد أولا من شن حملة كبرى على ماء «الحنفية». إنها غير نظيفة كفاية، وغير مراقبة كفاية. عليك بالمياه المعبأة، القادمة من أعالي النبع. وأين هي أعالي النبع هذه؟ في خزان المدينة حيث لا أعالي ولا ينابيع. وعندما قامت بعض المختبرات بفحص مياه الشفة في مدينة كليفلاند، تبين أنها أكثر نظافة وفوائد من كبرى شركات المياه المعبأة في أميركا، والتي أعطيت اسما يوحي بأنها تعبأ بعيداً في المحيط الهادي.
الحملة على الهواتف العادية الآن تقول: إنها في طريق الانقراض. وهناك جيل لم يعرف بها في الأساس. وكان الحصول على هاتف أوتوماتيكي في بيروت يستدعي منك أن تقدم طلباً للحكومة، ثم تبحث عمن «يدعمه» وإلاّ سلامتك. الآن برنامج الهاتف الأوتوماتيكي في المنزل هانئاً لا يرن على أحد ولا يرن أحد عليه. ما زلت في المراحل الأولى من دورة «الآيفون».