صالح القلاب

عندما يتم كل هذا الذي تم في المملكة العربية السعودية وتصبح نسبة الشباب نحو سبعين في المائة وربما أكثر في المواقع القيادية العليا، ومواقع صنع القرارات السياسية والاقتصادية... وكل شيء فإن هذا يعني أن هناك تحولات «استراتيجية» في هذا البلد العربي الذي غدا، ونحمد الله على هذا، رقماً رئيسياً ليس في المعادلة الإقليمية فقط، وإنما في المعادلة الدولية والمعادلة الكونية كلها، وإلاّ ما معنى أن تنعقد وخلال عشرة أيام فقط القمم الثلاث في الرياض قبل نحو شهر فقط، وحضرها كأول حضور له في مثل هذا التجمع رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب.


إنه يجب النظر إلى كل هذه التحولات المفصلية التي شهدتها المملكة العربية السعودية من زاوية أنها وقفة عند نهاية قرن بأكمله، وأنها انطلاقة جديدة لدولة كانت قد تعالى بنيانها على يد المؤسس الكبير العظيم فعلاً عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، الذي سيقرأ أحفادنا وأحفاد أحفادنا ذات يوم بعيد، أنه باتساع أفقه وقوة عزيمته وثبات إرادته قد صنع معجزة حقيقية وفعلية، وفي زمن لا معجزات فيه عندما أقام هذه الدولة المترامية الأطراف في ظروف كانت في غاية الصعوبة، وأنه قد بدأ من نقطة الصفر لبناء هذه الدولة التي أصبحت على ما هي عليه الآن وغدت بعد نحو قرن، والقرن في حسابات الزمن وحسابات البناء لا شيء، بحجم الكرة الأرضية كلها كعلاقات دولية وكتأثير في المعادلة الكونية وكتطور بقي متصاعداً ومستمراً على صعيد الإنجازات الداخلية وأيضاً الخارجية.
إن المسألة ليست مجرد استبدال ولي عهد بولي عهد وهكذا فإنه يجب النظر إلى كل هذا الذي جرى في المملكة العربية السعودية من زاوية أن ولي الأمر وصاحب القرار، الذي هو بالطبع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، قد وجد أنه لا بد من ثورة إصلاحية حقيقية وفعلية بعد دخول الألفية الثالثة، القرن الحادي والعشرين، بأكثر من عقد ونصف العقد من الأعوام، وفي ضوء أن جيلاً كاملاً من الشباب السعوديين، يشكل عنواناً ورمزاً له الأمير محمد بن سلمان، بات مؤهلا ليتبوأ مواقع المسؤولية وكل هذا وبينما عملية التجسير، لنقل مسؤوليات الحكم وإدارة الدولة بكل ما فيها وعلى الأصعدة كافة، قد تمت فعلياً في وقت مبكر، وانتهت إلى أنه لا بد من انتقالة نوعية شاملة، فالأيام تمضي بسرعة والزمن لا يرحم وكل تأخير سيكلف الدولة السعودية والمجتمع السعودي الكثير من أجل تدارك الأمور، والالتحاق بركب الحضارة الكونية الذي في هذا الزمن، الذي تتلاحق الأمور فيه بسرعة الضوء، لا يمكن أن ينتظر أحدا.
ربما أن هناك من يتجنب وصف هذا الذي جرى في المملكة العربية السعودية بـ«الثورة» والحقيقة أن كل التحولات التاريخية سواء كانت ثقافية أم اجتماعية أم اقتصادية أم تربوية وتعليمية هي ثورات، وذلك لأنها استبدلت واقعاً قديماً، انتهى إلى أنه لا بد من ليس تغييره، وإنما البناء عليه ليصبح ذلك واقعاً جديداً لا بد أن يكون أداته الفاعلة جيل الشباب، الذي لا بد من أن يستكمل ما أنجزه الجيل والأجيال السابقة لكن بمفاهيم وطرق جديدة، وعلى أساس أن حركة التاريخ كمياه النهر التي تبدو وكأنها راكدة ومتوقفة بصورة كاملة، مع أنها تتغير ودائمة التغير في كل لحظة.
إنه لا شك في أن سنوات النصف الثاني من القرن الماضي، القرن العشرين، قد شهدت إنجازات هائلة في المملكة العربية السعودية وفي كل المجالات لا بد من اعتبارها قفزة نوعية قياساً، ومقارنة بالنصف الأول منه، وهذا يعني أن الآباء قد حققوا ما كان مطلوباً منهم وأكثر وأهمه على الإطلاق هو أنهم أطلقوا ثورة تعليمية حقيقية بقيت متصاعدة إلى أن أصبح هناك هذا الجيل الشبابي، الذي رمزه الأمير محمد بن سلمان، الذي كان لا بد من انتقال مواقع المسؤولية والمواقع القيادية في الدولة إليه، ولكن تدريجياً حتى تكون أي خطوة إلى الأمام موضوعية، وحتى يبقى للآباء المؤسسين دور الرقابة إلى أن تتحقق معظم الإنجازات المطلوبة، وإلى أن يكون هناك اطمئنان في أن القاطرة تسير في الاتجاه الصحيح.
وهنا فإن ما يجب أن يقال هو أن تراكم الإنجازات، إن في مجال التعليم وإن في مجال الاقتصاد، وأيضاً وإن في مجال الإعلام والاطلاع عن قرب على تجارب الشعوب والأمم والدول المتقدمة، وحيث إن خريجي أهم الجامعات والمعاهد العلمية العالمية من الشباب السعوديين قد أصبحوا بعشرات الألوف سنويا، قد أدى إلى هذه القفزة النوعية التي بمصطلحات حركة التاريخ يجب أن تسمى ومن دون تردد ولا خجل ولا وجل: «ثورة إصلاحية».
كان الأمير محمد بن سلمان، الذي هو رمز هذا الجيل السعودي الصاعد كله، قد أثبت وخلال سنوات قليلة أنه جدير بقيادة هذه الثورة الإصلاحية، وهنا فإن المقصود هو الاستمرار بما أنجزه الآباء المؤسسون من وضع للأجيال الصاعدة في مواقع المسؤولية وفي كل المجالات والحقول والقطاعات... لا بل إنَّ ما هو منتظر هو أن تكون هناك قفزة نوعية بقيادة ولي العهد الجديد الذي هو، وبشهادة حتى رؤساء وقادة الدول الكبرى، الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية وألمانيا وفرنسا والصين، رجل دولة بكل معنى الكلمة ومن الطراز الرفيع.
إنه غير مستبعد أن يبرز بعد هذه الانطلاقة... وهذه الثورة الإصلاحية الشاملة من التعليم إلى الاقتصاد إلى التطور التقني والصناعات إلى الإمكانيات العسكرية... إلى كل شيء من سيحاولون الشد عكسياً وإلى الخلف، وحقيقة أن هذا حدث في كل حركات التاريخ منْ ما يسمى الثورة الرأسمالية إلى الثورة الاجتماعية التي اجتاحت أوروبا بدءاً من خمسينيات القرن الماضي إلى الثورة التعليمية إلى الثورة الثقافية في الصين، لكن المؤكد أن هؤلاء ومهما حاولوا لن يستطيعوا إيقاف الحركة التاريخية المتسارعة ويقيناً أن كل هذا الذي بات يجري في المملكة العربية السعودية لا يمكن إيقافه وقد انطلق هذه الانطلاقة المباركة، مهما سعى البعض إلى تعطيل هذه الحركة التاريخية.
إن المؤكد أنَّ الأمير محمد بن سلمان، الذي بحكم عوامل كثيرة وبحكم قربه المبكر من موقع القرار، واطلاعه على كل شيء في المملكة العربية السعودية، سيستعين بكل كفاءة شبابية وسيأخذ من كل واحد من أبناء جيله كل ما عنده من إمكانيات وفي المجالات كافة، وحقيقة أن مسيرة التطور وبخاصة بالنسبة للدول التي تتصدر حركة التطور الحضاري تؤكد أن الأهم في فنون القيادة هو أن يأخذ القائد الملهم من كل واحد من المحيطين به أهم وأفضل ما عنده، وهذا بالتأكيد سيتم وسيحدث في المملكة العربية السعودية في عهد هذه القفزة النوعية، وفي عهد هذه الانطلاقة الواعدة المباركة.
في كل التحولات والانعطافات التاريخية المهمة كان يبرز ودائماً وأبداً وفي اللحظة المناسبة من يقود هذه التحولات، وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أنه لولا بروز المصلح الكبير والقائد الملهم دينغ سياو بينغ بعد الثورة الثقافية المعروفة التي كادت تدمر كل شيء، فلما كانت الصين على ما هي عليه الآن من مكانة دولية مرموقة، ومن أوضاع اقتصادية متقدمة، ومن تطور متسارع وفي الحقول والمجالات كافة.
وهكذا وفي النهاية فإنه لا بد من الإشارة إلى أن غالبية الذين تناوبوا على ارتقاء عرش المملكة العربية السعودية من أبناء الراحل الكبير الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، لم يسعفهم الزمن لإعطاء كل ما عندهم، وحقيقة أنَّ هذا هو أحد الجوانب الضرورية فعلاً والمهم حقا في أنْ يتولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد وهو في بدايات عطاءاته التاريخية، وبعد أن أثبت جدارة مبكرة في إدارة شؤون دولة شؤونها كثيرة وكبيرة... أعانه الله وسدد على طريق الخير خطاه.