بينما يضيّق التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الخناق على تنظيم «داعش»، تقوم القوات النظامية السورية المدعومة من إيران باسترداد مناطق من التنظيم المتشدد من دون احتجاج يذكر من جانب واشنطن، وهو ما يشير الى مدى محدودية الخيارات الأميركية من دون حليف قوي على الأرض.

وتمتنع واشنطن عن التعاون مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد المنبوذة دولياً. ولكن سيكون من الصعب اقتلاع عناصر تنظيم «داعش» وإبقاؤهم خارج سورية على أيدي الميليشيات الكردية والعربية المدعومة من الولايات المتحدة. وأشار ناطق باسم «التحالف» الى أن مكاسب الأسد تخفف العبء عن كاهل تلك الميليشيات. غير أن السماح للأسد باسترداد مناطق من تنظيم «داعش» ينطوي على خطر اعتباره إضفاء للشرعية على استمراره في الحكم. ومن المرجح أن يقوي يده في حربه ضد التمرد المجهَد حالياً. كما أن هذا ينذر بزيادة نفوذ حليفي الأسد، إيران و «حزب الله» اللبناني، وهما حليفان لهما قوات تقاتل الى جانب قواته في الهجوم على المناطق التي يسيطر عليها «داعش».

وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى غير مخول بالحديث الى صحافيين، ولذلك طلب عدم كشف اسمه، إن ثمة انقساماً داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب في شأن إن كان ينبغي أن تحاول واشنطن بنشاط وقف المكاسب التي يحققها الأسد. وقال الكولونيل في الجيش الأميركي ريان ديلون الناطق باسم التحالف المضاد لـ «داعش» إن من المرحب به أن تسترد القوات النظامية السورية الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» وأن تملأ الفراغ بمجرد ذهاب التنظيم المتشدد.

وأثار هذا التصريح الدهشة - خصوصاً لأن الرئيس ترامب حذر الأسد بعيد ذلك في الأسبوع المنصرم من أنه سيدفع «ثمناً باهظاً»، مدعياً أن ثمة أدلة «محتملة» على أن سورية تحضر لهجوم كيماوي آخر.

وتكشف الرسائل المختلطة الحقيقة غير المريحة التي يفضل معظم صانعي السياسة تجنب قولها، ألا وهي أن الأسد منبوذ، لكنه أيضاً أداة مناسبة للسيطرة على أراض في المدن ذات الغالبية العربية في التضاريس المعقدة وبسط حكمه عليها.

ويختلف الوضع في سورية عن الوضع في العراق، حيث يعمل «التحالف» يداً بيد مع الحكومة العراقية ويبدو أنهما على وشك استرداد القاعدة الرئيسة لـ «داعش» في مدينة الموصل.

وقد قالت الحكومة السورية مراراً وتكراراً إنها ترحب بالجميع للعمل معها لإلحاق الهزيمة بـا»داعش».

وأعرب محمد خير عكام، وهو نائب في مجلس الشعب السوري، عن شكه في الدعم الأميركي للقوات التي يقودها الأكراد «على رغم حقيقة أن التعاون السوري - الروسي قد حقق نتائج أكثر في مكافحة الإرهاب»، بينما أسفرت جهود الولايات المتحدة «عن نتيجة معاكسة».

وتجنبت الولايات المتحدة حتى الآن أي تعاون مع الرئيس السوري الذي وصفه ترامب بأنه «حيوان». وبدلاً من ذلك، عقدت شراكة مع القوات الكردية والعربية المحلية التي تعرف باسم «قوات سورية الديموقراطية». وتتصدر عناصر هذه القوات الآن الهجوم على مدينة الرقة في شمال سورية والتي أعلنها «داعش» عاصمة له، وهي تواجه احتمال مهاجمة المعقل الأخير للتنظيم المتشدد في دير الزور في جنوب شرق البلاد.

لكن دعم الولايات المتحدة للمجموعة التي يقودها الأكراد أغضب تركيا التي تنظر اليها كامتداد للعصيان الكردي ضمن أراضيها. كما ينظر العرب الذين يشكلون غالبية سكان الرقة ودير الزور بعين الشك الى «قوات سورية الديموقراطية». يضاف الى هذا أن تلك الـ «قوات» التي يبلغ عديدها حوالى 50 ألف عنصر تجازف بقضم اكثر مما تستطيع هضمه وليست جاهزة بأي حال من الاحوال لمعركة دير الزور التي تشكل تحدياً أصعب.

من جهة أخرى، وضع الأسد وحلفاؤه الإيرانيون أنفسهم بصورة مضطردة على جوانب الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد «داعش»، وبسطوا سيطرتهم على أراض في جبهات عديدة، بما في ذلك مشارف الرقة ودير الزور. وحقق الأسد، بدعم روسي وإيراني، مكاسب مضطردة وهو يسيطر الآن تقريباً على كل مدن سورية الرئيسة باستثناء تلك التي يحتلها تنظيم «داعش».

وكانت الرمزية ملفتة في الأسبوع الماضي عندما قام الأسد، مبتسماً، بزيارة وسط مدينة حماة وهو وراء مقود سيارته، كما زار قاعدة جوية روسية في غرب سورية حيث التقطت صوره واقفاً بجوار جنرالات روس وداخل مقصورة مقاتلة نفاثة روسية من نوع «اس يو - 35».

وقد تموضعت القوات النظامية السورية على الأطراف الجنوبية الغربية لمدينة الرقة، وأقسم مسؤولون سوريون على استرداد المدينة في نهاية الأمر.

وأصرت الولايات المتحدة على وجوب تسليم المدينة الى مجلس محلي للإشراف على إدارتها في الفترة اللاحقة لتحريرها - وأوضحت أنها لن تتسامح ازاء محاولة الحكومة السورية وحلفائها جني مكاسب المعركة. وأسقطت القوات الأميركية في الآونة الاخيرة طائرة سورية وطائرات من دون طيار يعتقد انها لقوات تدعمها إيران، مع تصاعد التوتر قرب قاعدة يدرب «التحالف» فيها عناصر سورية مناوئة لحكومة الأسد. لكن المسؤول الأميركي الرفيع المستوى قال إن ثمة خلافاً كبيراً في شأن درجة قوة محاولة الولايات المتحدة منع الأسد من استرداد الأراضي التي يخليها «داعش»، مع دفع بعض المسؤولين في البيت الأبيض باتجاه مقاربة اكثر قوة، بينما تحذر وزارتا الخارجية والدفاع من أخطار ذلك.

ومن شأن إبقاء مناطق سيطرة الأسد ضمن حد أدنى أن يضمن عدم تقوية ساعده في صفقة سياسية في نهاية الأمر لإنهاء الصراع، وهو ما سيرجح قدرة الولايات المتحدة على تحقيق رغبتها في رحيله عن السلطة. كما أن من شأن الحد من سيطرته في شرق سورية أن يمنع القوات المدعومة من إيران من تأمين ممر عريض عبر العراق الى سورية ومنها الى لبنان.

وقال المسؤول إن المتخوفين في إدارة ترامب من المجازفات يفضلون تجنب معركة مباشرة الى حد اكبر مع الأسد.

وأكد ديلون، الناطق باسم «التحالف» للصحافيين في البنتاغون أن هدف الولايات المتحدة هو إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» اينما وجد. وأضاف انه اذا كانت الحكومة السورية وحلفاؤها الإيرانيون والروس يريدون القتال ضد المتطرفين «فنحن لا مشكلة عندنا في ذلك إطلاقاً».

وقال فريدريك سي. هوف مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي أن تلك التعليقات تعكس نظرة الولايات المتحدة الضيقة الى الحرب في سورية وانها نظرة تركز تحديداً على تحييد «داعش». وكتب هوف في مقال الأسبوع الماضي ان التحالف يرى ان «المسألة برمتها هي القضاء على داعش في الرقة. اما إيجاد الظروف التي ستبقيه ميتاً فهو مهمة يفترض ان تضطلع بها جهة اخرى».