عزة السبيعي

قبل سنوات، قابلت زوج صديقتي البريطاني العائد إلى لندن في أول زيارة له، بعد انتقاله إلى العمل في الرياض، فسألته: ما أول شيء لفت نظرك هناك؟، فقال: إنه عندما وصل إلى عاصمتنا العظيمة، كان قد مضى عليه عدة ساعات لم ينم، فلما وصل إلى السكن المعد له نام واستيقط في ساعة متأخرة،

فقرر اكتشاف الرياض من بلكونة المنزل الجديد، فوجد مبنى كبيرا له بوابة كبيرة مكتوب عليها طوارئ، تقف أمامه سيارات ينزل منها عائلات وأفراد ثم تمضي. قال: تعجبت من عدد السيارات التي لم تتوقف طوال الليل، لأعلم بعد ذلك أنه مستشفى خاص، وأن السعوديين يفضلون زيارة الطوارئ ليلا، ثم تساءل: كيف يكون هناك قسم طوارئ في مستشفى خاص؟ ثم كيف يتم استقبال حالات عادية وليست حوادث؟ 
ثم لماذا يفضل السعوديون زيارة المستشفى ليلا؟
في الحقيقة، إن ما هو فوق حدثٌ جديدٌ للبريطانيين، فنظامهم الصحي يمنع المستشفيات الخاصة من فتح مراكز طوارئ، ربما حتى لا يستغل أصحابه حاجة الناس في لحظة مصيرية، وربما حتى لا تصبح ثقافة لدى المجتمع، 
فلا ينتظم الناس في زيارة المركز الصحي، ولا يهتمون بأخذ موعد في النهار، ويكتفون متى وجدوا وقتا ركب 
أحدهم سيارته وذهب إلى الخاص، حتى لو كانت الساعة الثانية فجرا. 
وجود الطوارئ هو للأمور الطارئة، وفي مستشفى حكومي، الذي سيجعل الطبيب يعيدك إلى نقطة البدء وهي المركز الصحي، أو المركز الصحي الذي سيعطيك موعدا بحسب حالتك، ويبدأ معك جدولا مرتّبا يساعدك أن
تعتاد على احترام من يقدم الخدمات، ولا تزعج أطباء الطوارئ الذين يحتاجهم مرضى آخرون.
من ناحية أخرى، هذا المركز الصحي يعرف عنك كل شيء، فهناك شبكة معلومات يسجل بها كل دواء استعملته، وكل جراحة أجريتها في بريطانيا، وبالطبع سنّك، فلو كنتِ امرأة فستتلقين موعدا لأخذ مسحة من الرحم كل عامين، إذا بلغتِ الخامسة والثلاثين، مع تهنئة رقيقة وتفسير لأهمية هذا الإجراء، وللذكر لا يهم ما هي جنسيتك، المهم أنك جزء من نظامهم الصحي، ودفعت ما تتطلبه الإقامة البريطانية من تأمين.
والجواب على سؤال لماذا يفعلون ذلك؟ في الحقيقة، أنه الحرص البريطاني على صحة نسائه اللواتي تعتمد عليهن بريطانيا في إنجاب مستقبلها من الأجيال البريطانية، كما أن في ذلك حرصا على المال العام، فلو نسي هؤلاء النساء ولم يقمن بهذا الكشف، فسيزيد رقم المصابات بسرطان الرحم، وسيكلفن النظام الصحي المليارات، بينما مجرد الفحص سيقيهن الإصابة، ولن يكلف البلد سوى ملايين، وربما أقل.
في الحقيقة، إن كثيرا من ثقافة التداوي في بريطانيا مصدرها نظامهم الصارم الإنساني، والذي اعتاده المواطن هناك، وصار يدعمه بالاستدامة لتعليماته، ولن تجد بريطانيا يتبرم من أن معالجة الأسنان المصابة بالتسوس لا يشملها العلاج المجاني، لأنه يعرف سبب ذلك، وسيقول بكل هدوء: إن مرض الأسنان ناتج عن إهمال النظافة، والميزانية البريطانية لا تتحمل إهمال شخص بالغ تفريش أسنانه.