حبيب الصايغ


يحقق مشروع الدكتور سلطان الحضاري حلم المثقف العربي في كل مكان. هذا مدخل مناسب لتناول هذا المشروع، حيث إثبات الاتفاق أولاً على هذه المقدمة المنطقية، وصولاً إلى نتيجتها المنطقية: المثقف العربي، الكاتب والشاعر والمسرحي والمفكر، المثقف، في المعنى الأشمل، المتعلم والجامعي، الطبيب والمهندس والمحامي والمعلم، الإعلامي والإداري، الاقتصادي والسياسي والجغرافي والمؤرخ، القارئ الذي يشغف بالقراءة، ويغمس قلبه في ماء المعرفة، كل من أولئك يحلم منفرداً، وكل منهم، عبر المؤسسات الثقافية والتعليمية والمهنية يحلم، وقد ينظم الندوات والمؤتمرات التي تختصر مجرياتها، بعد ذلك، التوصيات، وكل منهم يجد حلمه متجسداً في قرارات ومبادرات ومشاريع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، باني وراعي مشروع الشارقة الحضاري والثقافي.


مشروع الشارقة الحضاري، والاقتباس من الدكتور سلطان نفسه، حيث الحضاري، نسبة للحضارة في شمولها، وفي أدق تفاصيلها، وحيث الصفة تجمع موصوفات عدة: كل حركة في الشارقة أو خطوة، إنما تنطلق من منطلق الهدف الحضاري، وكل قرار أو نظام أو قانون، الأمر الذي يسم مشاريع الشارقة ومبادراتها بسمة الحضارة، حين ترادف الحضارة التنمية مقرونة بالثقافة، بل مشروطة بها، ولعشرات آلاف بل مئات آلاف وملايين المثقفين العرب بالمعنى الذي قصدنا، ولملايين المواطنين العرب الذين هم غاية صاحب السمو حاكم الشارقة، وهو ينهض بمشروعه الحضاري، يحلو للمرء، في هذا المقام، ونحن ما زلنا نعيش مشاعر الفرح والفخر بفوز الشارقة المستحق باختيارها عاصمة العالم للكتاب 2019، أن يردد ما قاله للدكتور سلطان مباشرة غير مرة: التنمية الشاملة المتوازنة والمستدامة هي الطريق الطبيعي لتحقيق النهضة الثقافية باعتبارها غاية التنمية، فيما حقق مشروع الشارقة المسألة «معكوسة»، ربما للمرة الأولى على مستوى العالم، حيث انشغل مشروع الشارقة بالثقافة عنواناً أولاً وأولياً، فأنتج به، معه، من خلاله، تنمية اقتصادية يلمسها، في معيشته وحياته وحياة أسرته، كل مواطن ومقيم. هنا يكمن الفرق، وهو فرق جدير بالدرس والتقويم، نحو مقارنته ومقاربته ومناقلته، وإذا كنا، نحن العرب، نبحث عن الإضاءات المهمة والإشارات الملهمة في العالم المتقدم، وأينما وجدت، فإن للعرب في مشروع الشيخ الدكتور سلطان، مشروع الشارقة الحضاري، ملهماً ودليلاً حقيقيين وجديرين بالتقليد والاتباع.
الأفراد الذين يحلمون، على اتساع الوطن العربي، يجدون حلمهم متجسداً على أرض الواقع في مشروع الشارقة، وهذه دعوة مخلصة إلى المؤسسات العربية والإسلامية الجامعة، جامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة للعلوم، ومنظمة العالم الإسلامي، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، وذاك نحو تمثل الجهود المتعاظمة التي قامت وتقوم بها الشارقة نحو بناء وتنمية مشروعها الحضاري والمحافظة عليه، وهو ما جعل المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) تنتخب الشارقة عاصمة للكتاب في العالم.
ولم يكن الأمر سهلاً أو يسيراً، لكن سهله ويسره أن الملف القوي الذي أعدته وقدمته الشارقة بإشراف الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، صدّق الواقع وصدّقه الواقع، وعندما يكون لديك منجز الدكتور سلطان الحضاري والتنموي والثقافي، فإن وضع ملف قوي ونابض بالصدق والحيوية يصبح مسألة بدهية وتحصيل حاصل، على أن ذلك لا يقلل أبداً من مجهودات الشيخة بدور، ولها مكانتها الوطنية والعربية والدولية في مجال الكتاب والنشر، إلى جانب خبراتها القيادية في الإدارة والتنمية، ومعها فريق العمل.
لم يكن الأمر سهلاً، حيث أنت بصدد سباق نحو الفوز بهذا اللقب المستقبلي الكبير، فإن تفوز بلقب عاصمة العالم للكتاب، هو أن تكون قائد فكرة وحركة ونهضة الكتاب والفكر والعلم والثقافة في زمان ومكان العالم المقبلين، كما لو كنت جسر الإنسانية نحو مستقبلها وغد المعرفة، وهذا هو الفرق، فيما تنشغل أوطان وشعوب وأمم في الاستهلاكي واليومي والطارئ والمأزوم، تذهب أنت، في الجهة المقابلة، إلى تأكيد قيادتك حضارة وثقافة العالم.
هذا هو الفرق، وهو يتحقق لأن الدكتور سلطان واحد من قلائل يصنعون الآن الفرق، ويكونون العلامة الفارقة في الزمان والمكان.
وحين يكون الانطلاق من الإرث العربي والثقافة العربية، فإنما يسجل الفوز للحضارة والثقافة العربية، لذلك وجوب التأكيد على أن هذا الاستحقاق الكبير ليس مزحة، ولن يكون نزهة، وعلى كل مثقف عربي ومسلم العمل من أجله نحو إنجاحه، وعلينا في دولة الإمارات خصوصاً، مؤسسات وطنية وأفراداً، العمل الجاد والواثق من أجل الانتصار للشارقة عاصمة عالمية للكتاب، ولمشروع «سلطان الشارقة» الحضاري، ما لا يتحقق إلّا عبر الإيمان بمنظومة القيم التي انطلق منها، وقام عليها المشروع، والتمسك بفكرة التخطيط وترتيب الأولويات والعناوين، كما عمل سلطان، وكما حقق سلطان.
ويا أيها المثقف العربي، ها هو حلمك يتحقق في الشارقة، عاصمة العالم الثقافية، فليس أقل من الإسهام في هذا التأسيس العربي المبدع الخلاق. الشارقة في هذا الاستحقاق لا تمثل دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، وإنما تمثل العرب أجمعين، وتمثلك أنت، نعم أنت خصوصاً، على المستوى الشخصي، كما على مستوى الوجدان الجمعي، الشارقة صاحبة المبادرات الثقافية التي أهلتها لهذه المكانة العالمية، حيث معرض الكتاب الدولي الذي يُصنف اليوم ثالثاً على العالم، وحيث مدينة الشارقة للكتاب، وحيث هيئة الشارقة للكتاب، وحيث في كل بيت مكتبة، وحيث أيام المسرح والتراث والتشكيل، وحيث الشعر في قلب الشارقة، وحيث قلب الشارقة ينتشر اليوم في المناطق العربية نابضاً بحب اللغة العربية، والشعر العربي، والحضارة، والثقافة، والكتاب، والفرح الذي ينتشر في الزمان، كأشواق الأمهات إلى مستقبل الأحفاد، وفي المكان كلهفة المهج على المهج، وحنين الرايات إلى القمم العالية.