عبدالله العوضي

مر على أزمة قطر أكثر من شهر والخليج بل العالم أجمع بانتظار رمية الكرة التي في مرماها، فالدول المقاطعة الأربع أجمعت على اللاتفاوض وهي على استعداد للعزل الذي لا ينتج وليداً والحصار بعد أن تستنفد المقاطعة التسعينية أغراضها.

لابد لقطر من إدراك الحقيقة، لأنها ستدخل نفقاً ليس مظلماً فحسب، بل مغلق، فإيران ومعها «الإخوان» وجنود التركمان لن يأخذوا قطر بالأحضان مع طول الأزمات.

فالتركيز على مصالح قطر الذاتية أفضل لها بعيداً عن هوامش الكلام المستفز عبر الإعلام المدفوع له سلفاً، فأي دولة طبيعية لها صفة اعتبارية في المنظومة الدولية لها مصالح متعددة مع المحيط من حولها أولاً ثم الأبعد نسبياً، لأن السياسة اليوم قللت من عامل المسافات الجغرافية، وهو الواقع الذي لا تريد قطر أن تعترف به في ورطتها مع الإرهاب المموَّل بالأدلة والبراهين الداخلية فضلاً عن العالمية.

عبر المنظور القريب، قطر تبتعد تدريجياً عن الرَّحِم والرحمة الخليجية، ذهاباً إلى استئصال «بيت الضنى» من أحشائها حتى تفقد الشعور بكل معاني الصلة والقربى بينها وأشقائها الذين كانوا جزءاً من «حشاشة جوفها»، قبل أسابيع مضت.

اذا استمرت قطر في تفضيل هذا الوضع وفق هذا المنظور القريب من ذاتها والبعيد عن أشقائها الطبيعيين، فإن المنظور المتوسط سوف يذهب بها إلى الارتماء في أحابيل الغريب الذي ستحكمه مصالحه الذاتية عبر قطر إلى حين استنفاد أغراضها وأهدافها الآنية، وإن استمرت عقداً من الزمن فسرعان ما تخضع لصوت المصلحة الخاصة وتنسحب من هذا الصراع، حتى لا تغرق في وحل أزمة قطر التي قد تجر أيضاً رجليها نحو القاع وهو الذي يريد الركوب على ظهر قطر للوصول إلى مآرب أخرى، قطر ليست من ضمنها بل وسيلة سياسية براجماتية لضرب المنظومة الخليجية الموحدة. فعلى قطر الانتباه لذلك حتى لا تكون مطية سهلة لتحقيق مطالب ومصائب أهل الإرهاب وأصحاب الأجندات الخفية للوصول إلى مبتغاهم عن طريقها، بعد أن أصبحت قطر سهلاً غير ممتنع.

وهذا الوضع يذهب بنا إلى التفكير من الآن عبر المنظور البعيد حيث الهدف الأخبث للإرهابيين من كل حدب وصوب، من خلال تذويب الدولة القطرية وتسييل الوطن في قطر، إلى مسمى آخر قد يكون مصطلح «الولاية» تحت مظلة «الخلافة الخادعة»، وهو أمر غير مستبعد، وهذا ما جرب في «الرقة» السورية، و«الموصل» العراقية، «ولاية الفرات» حالياً! ولا يستبعد هذا السيناريو بالنسبة لقطر معزولة ومحاصرة، فلن تبقى لها سيادة تتغنى بها اليوم، ولا كيان يعلن عن وجودها أمام الكيانات الفسيفسائية الصاعدة عبر نبتات برية مسمومة تودي بحياة قطر المستقلة.

فالغريب من أي فصيل كان لن ينقلب حبيباً لقطر بين غفلة عين وانتباهتها لأن مصلحته الذاتية أكبر من مصلحة قطر ذاتها.

قطر.. الخياران الآن وليس غداً، خشية أن تدخل ظلم الخيار الأوحد لنفسها والشعب القطري من ورائها، فمناوراتها السياسية في الخارج لم تجدِ فتيلاً حتى الساعة، ولا نعتقد أن الوقت سيطول بها حتى قيام الساعة لكي تزرع فسيلة الخير لصالحها.

فالمطلوب منها أوضح من الصواب، والمعطوب لا حكم له، فوقت التصويب لا زال بانتظار خطوة الرجعة من قبلها، قبل فوات الأوان خشية أن ينطبق عليها منطوق المثل العربي المشهور «رب كلمة قالت لصاحبها دعني»، وجاء بالمختصر فيمن ضحى بأعز صديق في العمر كله من أجل غريب يتربص بذات الصديق الدوائر فلم ينجح، فجاء الصديق الحميم ليلبي طلب هذا الغريب ليصبح قرباناً بين يديه.

فلما أفاق من سكرته، بعد التخمة لم ير من نديمه إلا قطرات دماء تسيل بين يديه وبأوامر منه وليس من غيره، فلا تعي قطر مكمن الخطر للخليج كله، وهلا تذكرت مَحْمل الخير الذي آواها لعقود عدداً، وجاء الوقت الذي تخرم فيه مِحْمَل الخير لتغرقه على رأس ركابه، إلا أن في المحمل عقلاء أمسكوا على يديه لسلامة المسيرة، حتى من دون قطر وهذا هو الخطر الأكبر فهل من مدّكر!