FINANCIAL TIMES 

 سيتفان واجستيل من هامبورج

باعتبارها مستشارة ألمانيا منذ 12 عاماً، ستكون أنجيلا ميركل بحاجة إلى كل ذكائها السياسي المتراكم لانتزاع النجاح من قمة مجموعة العشرين الأكثر تعقيداً منذ أعوام، المنعقدة حاليا في هامبورج.
بالنسبة للقائدة الأكثر خبرة في أوروبا من الصعب بما فيه الكفاية استضافة قمة في الوقت الذي فُتح فيه شرخ بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين حول قضايا مثل تغير المناخ والتجارة الحرة.
لكن النزاعات التي أثارها نهج "أمريكا أولا" الخاص بالرئيس دونالد ترمب ليست هي الصداع الوحيد بالنسبة لميركل في الوقت الذي تكافح فيه ألمانيا للجمع بين القادة والتوصّل إلى اتفاق قابل للنجاح. كانت هناك "محادثات صعبة" قبل القمة في هامبورج و"بالتأكيد ليس فقط مع وفد واحد"، كما أوضح ستيفن سيبرت، المتحدث باسم ميركل.
قبل أسابيع من الانتخابات البرلمانية الألمانية، التي يبدو أن ميركل واثقة من الفوز فيها بولاية رابعة، تُشكّل القمة معضلة بالنسبة للمستشارة. سيكون هناك موقف متشدد تجاه قادة مثل ترمب في الداخل الألماني وفي كثير من أنحاء الاتحاد الأوروبي - لكنها تُريد تجنّب المواجهة وما يترتب على ذلك من انهيار القمة الذي يُمكن أن يقوّض سمعتها والبراعة السياسية التي عُرفت بها، والتي هي في حد ذاتها ورقة ترويجية للانتخابات البرلمانية.
يقول نوربرت روتجن، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، الذي ينتمي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي: "ستحاول موازنة الحاجة إلى إظهار التزامها بالقيم الغربية مع حاجتها إلى تجنّب عزل ترمب وتجنّب الفشل في القمة".


استنادا إلى مبادئها وإلى الحسابات السياسية، شددت ميركل على تمسكها بالتجارة الحرة والتعاون الاقتصادي وحماية المناخ. ومع أنها تستبعد أخذ دور بطل العالم الحر الذي كان يلعبه الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، إلا أنها ترى أن القيم الليبرالية تلقى دعما في ألمانيا وفي كثير من بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى.
في مقابلة مع صحيفة "داي زيت" أمس الأول، قالت ميركل: "في حين أننا ننظر إلى إمكانات التعاون لصالح الجميع، يُنظر إلى العولمة من جانب الإدارة الأمريكية ليس باعتبارها حالة يكسب فيها الجميع، وإنما عملية تتعلق بفائزين وخاسرين".
منافسها الانتخابي الأكبر مارتن شولز، قائد الحزب الديمقراطي الاشتراكي، على استعداد للاستفادة من أي تنازلات سهلة للغاية. توماس أوبرمان، رئيس كتلة نواب الحزب الديمقراطي الاشتراكي، حثّ ميركل على عزل ترمب في هامبورج، قائلاً إن "الترضية" ستؤدي "إلى تآكل القيم الغربية".


ويشدد مساعدو المستشارة على أن وضع ترمب في وضع صعب من شأنه إلحاق الضرر بالمصالح الألمانية والأوروبية، بما في ذلك التحالف عبر المحيط الأطلسي، والعلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتعاون لمكافحة الإرهاب. بيان الانتخابات للتكتل الذي يقوده الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم برئاسة ميركل، يصف الولايات المتحدة بأنها "شريكنا غير الأوروبي الأكثر أهمية".
يقول روتجن إنه يتوقع "التوصّل إلى اتفاق لكن مع قاسم مشترك منخفض أو متوسط" -مثلا التعهد الخاص بـ"التجارة الحرة" من قمم مجموعة العشرين السابقة قد يحل محله وعد بـ"التجارة الحرة لكن العادلة" لتلبية شكاوى ترمب من أن الولايات المتحدة كانت تُعامل بشكل غير عادل.
يقول أحد مستشاري الحكومة الألمانية إن الخيار الجيد سيكون التركيز على إعلان القمة حول قضايا تحظى بدعم واسع، مثل مكافحة الإرهاب، مصدر قلق ترمب. ثم يُمكن تخصيص مساحة أقل لقضايا التجارة وتغير المناخ المُثيرة للجدل، باستخدام لغة غامضة تسمح لجميع الأطراف بادعاء تحقيق انتصار.


أخيراً يُمكن أن يكون هناك، إذا لزم الأمر، مُلحقات حيث تُعلن بعض الدول اختلافها مع ترمب، مثلا بشأن تغير المناخ. يقول المستشار: "كل شيء في شخصيتها وماضيها يُشير إلى أنها ستحاول التوصّل إلى اتفاق".
ويُجادل روتجن بأن ترمب لن يرغب أيضاً في عزل نفسه. خاصة مع زيادة التوترات بشأن كوريا الشمالية بعد اختبار صواريخ الأسبوع الماضي قد يلتمس الدعم من الصين وروسيا واليابان، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي.
لكن حتى الصعوبات المحتملة، الخاصة بتجميع مجموعة العشرين حول موقف مشترك قدر الإمكان، لا تتضمن تماماً ما يقول المسؤولون الألمان إنه سيكون "قمة لا يُمكن التنبؤ بها تماماً".
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المنخرط في نزاع سياسي واسع النطاق مع ميركل، قال إن ألمانيا "تنتحر" بعد أن حظرت ميركل خطابا كان مخططا أن يدلي به للجالية التركية في هامبورج. وحتى داخل الاتحاد الأوروبي هناك توترات، إذ تطالب إيطاليا بمزيد من المساعدة مع ارتفاع عدد اللاجئين.


وستشهد هامبورج اجتماعات ثنائية حيوية -بينها أول لقاء بين ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين- يُمكن بسهولة أن تطغى على الحدث الرئيس.
الاتفاق على تخفيف الصراع الأوكراني، مثلا، قد يعطي القمة صورة إيجابية، بينما الفشل يُمكن أن يكون له أثر معاكس، خصوصا أن برلين غير قادرة على فعل كثير في هذا الشأن.
قالت ميركل هذا الأسبوع: "لا أعتقد أننا سنحظى بمواقف موحدة بشأن جميع القضايا في النهاية، لكن من المعقول (...) التحدث مع بعضنا بعضا بشأن جميع قضايا الدبلوماسية الدولية"