حنا صالح 

دخلت المنطقة بشكل رسمي مرحلة ما بعد «داعش»؛ التنظيم الإرهابي الذي نجح خلال السنوات الثلاث الماضية في إدخال الخوف إلى قلوب الناس في كل المعمورة؛ من شرق المتوسط؛ تحديداً سوريا والعراق، البلاد المنكوبة بديكتاتوريات خلقت بيئات نتيجة لتشجيع الصراعات العرقية والدينية والرهان عليها، ما عمّق صراع الهويات المتناحرة طيلة العقود المنصرمة، إلى كل أوروبا وأميركا وأفريقيا والعالم... التي بعد «11 سبتمبر (أيلول)» والإجراءات الأمنية الشاملة، ومقتل بن لادن وتشتيت «القاعدة»، لم تكن تتوقع خطراً قاتلاً يدهس ويضرب المدن والمسارح والأحياء ومحطات المترو ودور العبادة... ويحصد الأرواح بشكل غير مسبوق.
حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي يعلن الانتصار على «دولة الخلافة»، دولة الخرافة، وفق التسمية العراقية؛ الخرافة التي كلفت العراق شهوراً طويلة من الحرب والخراب، التي أوجبت عودة أميركية نوعية، وحضوراً إيرانياً بارزاً مباشرة أو عبر «الحشد الشعبي»؛ الطائفي لكن الشرعي الرديف، لاستعادة الموصل ولو مدمرة، وهي المدينة التي سقطت في يوم واحد بيد «داعش»، ومع سقوطها تأمنت أُسس البنية المادية والعسكرية لقيام دويلة البغدادي. مئات ملايين الدولارات في المصرف المركزي في الموصل، وترسانة من أحدث الأسلحة الأميركية تركتها فرق عسكرية تشتت في لحظات، سيستخدمها «داعش» في التوسع السريع لإحكام سيطرته على أكثر من نصف العراق.
بالتزامن؛ تستعر معركة استعادة الرقة، عاصمة «دولة الخلافة» المزعومة، وتستعر المواجهات في البادية السورية، وينطلق التسابق الدولي والإقليمي مباشرة وبالواسطة لوضع اليد على التركة الداعشية، لتقاسمها حِصصاً... وبعيداً عن الأسئلة الجدية التي تطرحها التطورات الميدانية في سوريا والعراق، عن حقيقة دويلة البغدادي وحجمها، حيث تجري استعادة المدن والمساحات الشاسعة دونما أثر حقيقي لمقاتلين: أين ألوف المقاتلين، لا جثث ولا أسرى، ولا مشاهد رصدتها الأقمار الصناعية، عن مواجهات وقتال وحرب ضروس قِيل إن «داعش» لا تتقن سواها؟ وهنا يثور سؤال خبيث طارحاً نفسه، وهو: هل ما يحدث هذه الأيام أشبه بعملية تسليم، هي الوجه الآخر للتسلم الذي تم قبل 3 سنوات، في العراق من جانب حكومة نور المالكي وفي سوريا من جانب نظام بشار الأسد!!
السؤال مطروح بحدة، فـ«داعش» بوصفه تنظيماً إرهابياً حقيقياً، كانت له وظيفة يبدو أنها انتهت، لأن الأرض التي خضعت لسيطرته، وصدف أنها مناطق العرب السنة، باتت أثراً بعد عين: خراب عميم واقتلاع وتهجير، وعموماً عربدة لمتطرفين إرهابيين هم الوجه الآخر المقيت لـ«داعش»، ميليشيات طائفية استقدمتها طهران لترسم فوق الخراب والموت حدود نفوذها وسيطرتها. في وقت من الأوقات، كان هناك «غض نظر» دولي على انتقال إرهابيين معروفين للأجهزة الأمنية إلى سوريا والعراق، وأمِلت عواصم كثيرة ألا يعود هؤلاء إليها... وبشكل معلن، كانت تبرز تسهيلات من دول لانتقال الإرهابيين الوافدين، وكُثر في العالم شاركوا في ملء خزائن «داعش» بالأموال، من عائدات النفط المهرب أساساً، وفي وضح النهار، عبر تركيا، أو من عائدات تجارة نقل الآثار وبيعها في عواصم العالم، وبعيداً عن التخمينات، فالأكيد أن أجوبة كثيرة عما حدث في تلك المرحلة، متوفرة لدى كثير من عواصم القرار الدولية والإقليمية.
نعود إلى الواقع الراهن، حيث نشهد طي صفحة سوداء من الإجرام غير المسبوق الذي طال الآمنين؛ قتلاً وتجويعاً وإذلالا، لنتبيّن أنه ما من عمل جدي يسعى لمعرفة الأسباب والعوامل التي قادت إلى نشوء دويلة «داعش»، والدور الذي اتخذته والقدرة على التضليل والتجنيد والاختراق، وتوفير الأسباب لكل هذا الخراب والدمار، وماذا عن الغد، والكل مدرك أن بلادنا التي تعاني كل أشكال الصراعات العرقية والدينية، جاهزة.