حسن مدن

يمكن لقوى الإسلام السياسي السني أن تهاجم صباحاً ومساء السياسة الإيرانية في البلدان العربية، ويسهب ممثلوها في الحديث عن مخاطر وأوجه المشروع الفارسي على بلداننا، وفي حديثهم أوجه حق لا خلاف عليها من قبل الغالبية الساحقة من العرب، ومن الأنظمة العربية التي تشعر بأنها مهددة من سياسات إيران.


لكن ما أن يجري الحديث عن السياسة التركية في المنطقة، التي لا تختلف في الجوهر عن السياسة التوسعية الإيرانية، حتى وإن اختلفت الراية المذهبية، فإن هذه القوى تتلعثم، وتتوسل عبارات فضفاضة، ولا تخفي إعجابها الشديد بنهج أردوغان، وبما تحسبه نجاحات يحققها في «أسلمة» تركيا، كأن تركيا لم تعرف الإسلام إلا بمجيئه وحزبه إلى السلطة، متناغمة مع طموحه في إعادة بعث الخلافة العثمانية السالفة.
على ضفة قوى الإسلام السياسي الشيعي تبدو الصورة عكسية تماماً، فهذه القوى تهاجم، صباحاً ومساء أيضاً، السياسة التوسعية لتركيا، وتحذر من مخاطر التمدد التركي - العثماني في البلدان العربية، وتستدل بما تقدمه تركيا من أوجه دعم سياسي وعسكري ولوجستي لحلفائها من الإخوان المسلمين وغيرهم في سوريا والعراق وغيرهما للتدليل على صواب ما تقول، وفي حديث هؤلاء أيضاً أوجه حق لا خلاف عليها من قبل الغالبية الساحقة من العرب، ومن الأنظمة العربية التي تشعر بأنها مستهدفة بالسياسات التركية. لكن ما أن يجري الحديث عن السياسة الإيرانية في المنطقة، وهي الوجه المذهبي الآخر للسياسة التركية، حتى يتعثر لسان الناطقين باسم هذه القوى، ويتوسلون عبارات فضفاضة كأقرانهم من الإسلام السياسي السني، ولا يخفون إعجابهم الشديد بسياسات خامنئي وبما يحسبونه نجاحات تحققها السياسات الإيرانية داخلياً وخارجياً، ويجري الترحيب بأوجه تدخل طهران في البلدان العربية لنصرة حلفائها.
في هذا نحن إزاء معضلة الإسلام السياسي العربي بوجهيه في علاقته بالقوتين الإسلاميتين المتنازعتين على النفوذ، تركيا وإيران، مستفيدتين مما هو عليه حال العالم العربي من ضعف، فالغائب في سياسات مريدي هاتين القوتين في العالم العربي هو الذي يمكن أن نطلق عليه بوضوح شديد: البعد الوطني - القومي، فالانتصار لمشروع إسلاموي، تركي أو إيراني الولاء، وتغيير الحراك السياسي في بلداننا لصالح أحدهما، هو انتقاص، لا بل وتخلٍ عن مشروع وطني خاص بكل بلد عربي على حدة يستوعب كافة مكونات البلد المعني، وعن المشروع القومي العربي الذي يغطي المساحة العربية الشاملة، المعني بأهداف التحرر والتنمية والتقدم.
لم تعد المسألة الوطنية والقومية تقاس بطبيعة الموقف من الأجنبي المستعمر القديم، الموجود على كل حال في تجليات جديدة، وإنما أيضاً في القوى الإقليمية الطامعة في جعل البلدان العربية تابعاً ذليلاً لها.