مصطفى البرغوثي 

تصويت منظمة اليونسكو على إدراج مدينة الخليل على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر بأغلبية تجاوزت ثلثي المصوتين لمصلحة الخليل وفلسطين، مثل انتصارا دبلوماسيا مهما لفلسطين وفشلا ذريعا آخر لإسرائيل، ومن واجب المؤسسات الفلسطينية البناء على هذا الإنجاز ومطاردة إسرائيل في كل المحافل الدولية.

جسد سلوك مندوب إسرائيل في منظمة اليونسكو شاما هاكوهين، أثناء التصويت الناجح على إدراج مدينة الخليل على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، سلوك الحكومات الإسرائيلية والحركة الصهيونية.

فقد بدأ بممارسة الابتزاز العاطفي للدول الأعضاء، من خلال الاستغلال السياسي الدنيء لمأساة وجريمة الهولوكوست، دون أن يبدي أدنى احترام لضحايا تلك الجريمة وعدم جواز استخدامهم في ألاعيب سياسية رخيصة لتبرير سياسات عنصرية تخرق كل يوم، وكل ساعة، القيم والأخلاق البشرية وحقوق الإنسان والقانون الدولي.

ثم انتقل إلى ما اعتادت حكومات إسرائيل عليه، من تزييف وتزوير للتاريخ، وللحقائق، محاولا نفي فلسطينية وعروبة وإسلامية مدينة الخليل. ثم انتقل إلى أسلوب الإرهاب الفكري، بوصف الفلسطينيين بمن فيهم رئيس بلدية الخليل، المنتخب ديمقراطيا، بالإرهاب، ومحاولة إلصاق تلك الصفة بكل النضال الوطني الفلسطيني بما في ذلك الجهود الدبلوماسية.

وبعد ذلك انتقل إلى محاولة تحقير مندوبة كوبا الباسلة، التي دعت مؤتمر اليونسكو للوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء الفلسطينيين.

ولم يحترم أحدا من الدول الحاضرة، بما في ذلك الدول الثلاث التي صوتت لمصلحة ظلم دولته، فألقى بقنبلته الوقحة في وجوه الجميع، عندما قال إن المجاري الفائضة في بيته أهم من اجتماع منظمة اليونسكو وقراراتها، مقدما نمطا غير مسبوق في الابتذال والوقاحة.

وإذا كنا لا نختلف على أن مكان مثل هذا الشخص هو المجاري تحديدا، فلا بد من القول إن عصبيته الوقحة، تظهر مدى عنصرية حكام إسرائيل واحتقارهم للعالم أجمع، وأسلوب الاستعلاء الذي يلجؤون إليه كلما اختلف معهم أحد.

وما يهمنا هو التيقظ للأساليب الإسرائيلية الإعلامية التي تمزج بين الابتزاز، والإرهاب الفكري، والتزييف، والوقاحة.

فهي تتكرر على لسان كل متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، وخصوصاً أثناء المناظرات الخطابية والتلفزيونية.

والهدف الرئيس لهذه الأساليب هو فرض الرواية الإسرائيلية سياسيا وتاريخيا، ومعاقبة كل من يتعارض مع هذه الرواية سواء بالبحث العلمي، أو بالنقد البناء، أو بالنشاط السياسي والكفاحي.

إنه محاولة لاستعمار العقول، والأفكار، وتزييف التاريخ، وإرهاب كل فكر معارض؛ ولهذا لم يتورع وزراء الحكومة الإسرائيلية بعد صدور القرار عن وصف منظمة اليونسكو بكاملها بأنها منظمة لا سامية، وأن منظمات الأمم المتحدة تنشر الأكاذيب.

غير أن الأهم أن تصويت منظمة اليونسكو بأغلبية تجاوزت ثلثي المصوتين لمصلحة الخليل وفلسطين، مثل انتصارا دبلوماسيا مهما لفلسطين وفشلا ذريعا آخر لإسرائيل.

ومن واجب المؤسسات الفلسطينية البناء على هذا الإنجاز ومطاردة إسرائيل في كل المحافل الدولية، بما في ذلك الانضمام إلى كل مؤسسات الأمم المتحدة، والإسراع في إحالة إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية.

وما ثبت في اليونسكو أن قوة الحق، لا يمكن تجاوزها بالتزييف، وأن إرهاب اللوبي الإسرائيلي لن ينفعه في كل المحافل، كما ينفعه في الكونغرس الأميركي، وإذ تمارس إسرائيل، الاحتلال والأبارتهايد، فإن رصيدها المضمون الوحيد هو دويلة ميكرونيزيا، أما اللجوء للوقاحة فلن يزيد التزييف إلا بؤسا.